بروز الدواعش والتكفيريّين، وما تركوه من آثار تخريبيّة ستنعكس لأزمنة طويلة على حياتنا، حيث حلّ ذلك الجراد .. هذا البروز أثار الكثير من الأسئلة، وترك مساحات من الحيرة لدى البعض.
تقتحم الذاكرة في هذا السياق ماكانت عليه أوروبا في العصور الوسطى، فقد كانت السيطرة بيد الملك، والكنيسة، وعانت المجتمعات الأوروبيّة ماعانت، ودفعت سيولا من الدماء للتخلّص من سلطتين: الملَكيّة التي تأخذ دور الأب المسيطر، والكنيسة التي كانت سنداً مهولا لسلطة الملك والإقطاع، ولم تحلّ الكثير من العقد إلاّ حين نجحت المجتمعات الأوروبيّة في إرساء الديموقراطيّة، وفي إلغاء سطوة الكنيسة، وكلا الملك والكنيسة كانا يستندان إلى حقّ يزعم أنّ كلّاً منهما موجود بإرادة الربّ!!
أعتقد أنّ من حقّ تلك الدماء أن تمهِّد للخروج من سطوة « إلغِ عقلك»، لاسيّما وأن العديد من آيات القرآن الكريم، ومن أحاديث الرسول ( ص) تبيّن قيمة العقل، وفضله، أمّا ماوصلنا متسلسلا من عهود ظلاميّة، فقد كان من ادعاء بعض الحكام قديماً أنّهم موجودون بإرادة إلهيّة، وساندهم في ذلك بعض من يدعون أنهم رجال دين الذين كانوا ألعوبة بيد صاحب السلطة، فهم يسوّغون للحاكم مالا يسوَّغ، ويُفتون بما يُرضيه ولو كان متعارضا مع العقل، والدّين !!
سأذكر حادثة عايشتها في زمن لم أعد أذكر تاريخه، فقد كنت حين أسافر إلى دمشق أزور صديقا قديما لم تنقطع مودّتنا، وكان من العاملين في مكتبه شخص ، وكان دائم المطالعة، وكنت آنس بالحوار معه، حتى ولو على خلاف، وفي ذلك الزمن صدر كتاب أثار ضجة في الأوساط الثقافيّة والدينيّة، فسألته عبر الحوار:» هل قرأتَ ذلك الكتاب»؟، فقال :» لا ماقرأته، ولن اقرأه»، استغربت وقلت له كيف تتّخذ موقفا من كتاب لم تعرف ماورد فيه»؟! فأجاب:» لقد حرّم بعض الفقهاء قراءة هذا الكتاب، ولذا فلن أقربه»، خطرتْ ببالي تلك الجملة الشهيرة التي كانت متداولة « دَعْ سانيو تفكّر عنك»،- وسانيو آلة حاسبة يابانيّة، نُشر لها ذلك على سبيل الترويج،-
تُرى ألا تُترك للإنسان فرصة أن يطّلع، ويتثقّف، لتكون خياراته مبنيّة على قناعة راسخة؟!!
أليس في ذلك إقفال لباب العلم ككلّ، اكتفاء بـ ماترك الأوائل للأواخر شيئا»، ؟!!
ماذا نقول عن المكتشفات، والعلوم، وتقدّمها، والفضاءات التي فتحتْها؟!!
أنا من القائلين بأنّ ثمّة نقاطا مضيئة في تاريخنا ، والكثير من العاتم، مثل معظم تواريخ العالم، وأتمسّك بكلّ مايحترم كرامة الإنسان، ويعمل على تحقيق مايريحه، أمّا أن يقف البعض عند « ثمّة فقهاء قالوا كذا، وعلينا الانصياع، فتلك آفة تحتاج للكثير من المعالجات ….
aaalnaem@gmail .com
عبدالكريم الناعم