رغم إدراك نسبة كبيرة من المجتمع أضراره إلا أن الكثيرين أخذوا يتعاملون مع الموضوع ببساطة واضعين التدخين بحكم العادة اليومية ، لم يغفلوا عن صحتهم وحسب ، بل باتوا في سبات عميق وهم يشاهدون أن عدد الأطفال و المراهقين المدخنين بتزايده يدق ناقوس الخطر . فما الأسباب التي تختفي وراء ارتفاع نسبة المدخنين لدى هذه الفئة العمرية و من الجنسين ، وما الدوافع النفسية و الاجتماعية التي ترمي بهم إلى هذه الهاوية ؟
الأسباب النفسية للتدخين
أكدت السيدة فاتن- مرشدة نفسية في إحدى الثانويات أن الأسباب النفسية للتدخين كثيرة وأولها -غالبا – الاكتشاف ، فالمراهق في مرحلة المراهقة يحاول اكتشاف المظاهر الموجودة في المجتمع ، وتركيز الأفلام و المسلسلات على التدخين يدفع بالمراهق إلى اكتشاف ما يعرض أمامه ، و السبب الأول ( الاكتشاف ) يقود إلى ( التقليد ) وهو سبب شائع فغالبية ممثلي المسلسلات يدخنون وبالتالي لكي يقلد نجمه المعجب به يقوم بالتدخين ، وهذا الأمر ينطبق على المراهقات أيضا ، فهي تعتقد أن تقليد الشباب المدخنين و نجمات الفن المدخنات و المتصدرات مسلسلاتنا الدرامية يجعل المراهقة أكثر نضجا و حرية ومساواة بالرجل ، أيضا من الممكن إرجاع سبب التدخين عند المراهقات إلى التمرد على عادات المجتمع نتيجة الكبت الشديد ، بالإضافة إلى رفقاء السوء المدخنين الذين يصرون على صديقهم أن يدخن مسايرة لهم ، ولا يدري أن هذه المسايرة ستقوده إلى الإدمان .
الأسباب الاجتماعية للتدخين
أشار د. عزت -علم الاجتماع أن الأسباب الاجتماعية لإقبال المراهقين على السيجارة لها علاقة بشيء اسمه الرجولة ، و بالتالي ليثبت أنه يعد من شريحة الرجال وأنه لم يعد صغيرا يقبل على التدخين لإثبات رجولته و إن كان لا يفضل رائحته أو طعمه . و تابع : هناك ناحية لا يمكن إغفالها وهي دور الرفاق فربما لم يكن لدى الفتى هذا التصور (عن مفهوم السيجارة و الرجولة ) فيأتي أحد الرفاق ويقدم له «يضيفه » أول سيجارة – و إن رفض يقول له: أنت لست برجل – و خوفا من الإحراج أمام أصدقائه تتحول المسألة لديه إلى عادة . و أضاف : إن بعض المشاهد في الأعمال الدرامية – وخصوصا في الفترة الأخيرة-تلعب دورا محرضا على التدخين ،فهناك ما يسمى بالحبكة في الفيلم ، يكون الممثل في أزمة أو في ورطة معينة ، فيشعل سيجارة و يستنشق منها و كأن المشهد يوحي أن هذه السيجارة تساهم في حل المشكلة .
المراهقون يتحدثون عن سبب تدخينهم
سامر 17 سنة : بدأت بالتدخين عندما رسبت في الصف التاسع ، أمام ضغط الأهل و المجتمع لم أجد إلا السيجارة أمامي .
راتب 15 سنة : فضولي هو الذي دفعني إلى التدخين في البداية ، وخصوصا بعد مشاهدة إعلان تلفزيوني لإحدى ماركات السجائر تتضمن رجلا يشعل سيجارة ليملأ الجو حوله بالدخان ، أردت إعادة هذا المشهد ، فاستمر التدخين معي ليصبح عادة .
ناديا 19 سنة : أنا أدخن الأركيلة فقط ، في البداية كانت موضة وخصوصا أنها تترافق مع جلسات الأصدقاء وتضفي جوا مسليا ، أما الآن فأدخن الأركيلة في المنزل لوحدي لأنني اعتدت عليها.
قد نستغرب إذا وجدنا أن أقرب الناس قد يدفعون بالمراهق للتدخين تحببا أو تقربا .
يقول فراس 20 سنة : عمتي تدخن ، وعرضت علي أكثر من مرة أن أدخن ، إلى أن أصبحنا ندخن معا .
راميا 16 سنة : أعمل في صالون حلاقة ، و الكل يدخن هناك ، كنت في البداية أنزعج من رائحة الدخان ، إلى أن اعتدت عليه و أصبحت أدخن أيضا .
و أمام هذه الآراء هناك إحصائية ذكرتها منظمة الصحة العالمية أجريت على طلبة المدارس تقول أن : 28 %من الطلاب يعتقدون أن الفتيان المدخنين أكثر رجولة و 22 % من الطلاب يعتقدون أن الفتيات المدخنات لديهن أصدقاء أكثر. و 16 %من الطلاب يعتقدون أن الفتيات المدخنات يبدون أكثر جاذبية.
نظرة علم النفس و الاجتماع
يعتقد علماء النفس أن المراهق يجرب التدخين على أرضية مشكلة نفسية كالقلق أو الخوف المرضي أو فوبيا اجتماعي ، أيضا الأشخاص الذين لديهم اكتئاب أو اضطراب بالشخصية هؤلاء المرضى يكثر لديهم التدخين للتخلص من المعاناة حسب رأيهم ، وهذه الفكرة غير منطقية لأننا نعالج خطأ بخطأ أكبر . أيضا ضعف الشخصية قد تؤدي بصاحبها إلى التدخين لإثبات الشخصية ، و أحيانا ضعف العلامات الدالة على الجنس لدى الجنسين ، فالمراهق الذي لم يكتمل شكله الخارجي بعد من الممكن أن يدخن لإثبات رجولته ، أيضا المراهقة لإثبات أنوثتها و حريتها. أما الآثار النفسية المرافقة لبدايات التدخين فهي تتجسد بشعور كاذب بالهدوء و تخفيف القلق و التوتر وشعور بالمتعة و النشوة بعد تدخين السجائر أو الأركيلة ولكن بعد فترة من التدخين تحدث النتائج السلبية للتدخين و تبدأ مظاهر الإدمان . فعند محاولته إيقاف التدخين أو التخلص منه تحدث أعراض سحب أو فطام حيث يصبح المدخن عصبيا نزقا يشكو من صداع و توتر وعدم تحمل الآخرين. كما أن الارتباط بالتدخين يوقع المدخن في مآزق كبيرة كوجوده في اجتماع أو في مكان لا يمكن التدخين فيه . كما لا يمكن إغفال ناحية مهمة تؤثر على المراهق المدخن كثيرا و على حياته الدراسية كالنسيان و الاضطراب في الذاكرة و أعراض جسدية أخرى تنعكس على حياة المريض المهنية و الدراسية و الاجتماعية حيث أن المدخن في أغلب الأحيان غير مرحب به في كثير من أماكن العمل وهذه تنعكس سلبيا على نفسيته مما تسبب له القلق و الاكتئاب كما أن رائحة الفم الكريهة من الممكن أن تبعد الكثيرين عنه و من الممكن أن تسبب له العزلة.
كيف يكتشف الوالدان أن الابن يدخن؟
تقول إحدى الأمهات : لبدايات التدخين علامات أولها رائحة الفم ليلا كذلك الثياب ، و احمرار العينين و شحوب الوجه ، إضافة إلى صرف النقود و ورفقة المدخنين. وعند معرفة أن أحد الأبناء يدخن من الضروري أن نأخذ الأمر ببساطة مع ترك حرية التعبير للابن كي يعبر عن المشكلة أو يصرح بها ، فالقسوة و الشدة لا تفيد و خصوصا إن أنكر ، فمن الممكن أن نوجه له رسائل غير مباشرة عن أضرار التدخين . كذلك شرح الآثار القريبة للتدخين كاصفرار الأسنان و رائحة الفم و صرف النقود وعلينا مساعدته على زيادة الثقة بالنفس و مواجهة ضغوط الحياة ، لأن السبب النفسي للتدخين لدى هذه الفئة العمرية هو الشخصية الضعيفة أو الخجل .
معظم المدخنين يدخنون قبل عمر 18 عاماً. وأمام هذا ألا يجدر أن ندق ناقوس الخطر أمام وباء المستقبل الذي يخطف زهرة شبابهم؟
منار الناعمة