لم تتسع التحية السابقة إلا لقليل من التدليس الاجتماعي . وما أكثره !
ولقليل من التدليس الفني وهو أكثر من الهموم على قلب صاحب الدخل المحدود المعيل لعائلة غير محدودة .
وآثرت في هذه التحية أن استعرض مظاهر التدليس الثقافي ولاسيما أن هذه المظاهر قد طغت على السطح كما تطفو بقع النفط على سطح البحر ، فالبحر يستوعبها ويقذفها على رمال الشاطىء ولكنها تظل مزعجة الى حين .
ومن مظاهر التدليس الثقافي أن بعض المداجن – الفقاسات – تحت تسميات ثقافية مختلفة تفقس عشرة شعراء كل أسبوع على الأقل وخمسة كتاب قصة في الحدود الدنيا ، وهذا الصوص ذو الزغب الأصفر الذي لم يمتلك بعد لاخوا في ولا قوادم .
يرى اسمه في الإعلان أو الصحيفة : الشاعر أو القاص ، فيختل توازنه وكأنه أصيب بالدوار الدهليزي ، فتضيق القاعات بل الشوارع عن استيعابه ، وتغص المنابر عن ابتلاع كلماته ، ولو وجدت بحيرة صافية المياه ووقف على ضفتها ورأى صورته في الماء لألقى نفسه معانقاً صورته كما فعل –نرسيس – ونسبت إليه النرجسية .
فيا أيها المدلسون : إنكم تصيبونه بضرر شديد عندما تدعونه شاعراً أو قاصاً أو أديباً ، وهو يمتلك كل شيء إلا الموهبة الأدبية ، ولا يعرف ألف باء أدوات الأدب في فنونه المختلفة . وإذا أردتم أن تفيدوه حقيقة فلا تخفوا عنه عيوبه تدليساً وتملقاً . ألم يقل عظيم من عظماء هذه الأمة : – طوبى لمن أهدى إلي عيوبي ومن طريف ما سمعت أن بعض المدلسين أخذوا يعطون دروساً في الإيقاع الشعري والحبكة القصصية ويستقطبون الطامحين إلى مجد الكتابة بسرعة تفوق سرعة الكتابة لخاطرة على – الفيسبوك – والأكثر طرافة أن أحدهم أعطى مثالاً على براعته في التقطيع الإيقاعي للشعر وفق قواعد الخليل بن أحمد الفراهيدي ، فقال : إن هارون الرشيد انشد :
سنرجع يوماً إلى حينا ونغرق في دافئات المنى
فسألته التلميذة المتدربة على الإيقاع بين يديه ، من أي عصر هذا الشاعر فأجابها بثقة متناهية : إنه الخليفة العباسي المشهور ، وقد كان شاعراً !!
وهنا كتمت التلميذة المتدربة ضحكتها تقديراً لجلالة المدرب ، وانقطعت عن التدريب لأنها تعرف من دراستها أن البيت من قصيدة للشاعر الفلسطيني : هارون هاشم رشيد ، وقد غنتها السيدة فيروز !!
وإذا ماغادرت التدليس الثقافي سريعاً ودخلت قليلاً من بوابة التدليس السياسي رأيت العجب العجاب ، وخصوصاً في حمى العدوان على وطني سورية ومن التدليس العجيب أن تستضيف القناة العربية – السعودية – كاتباً من الدرجة العاشرة هو – حكم البابا على أنه خبير متفجرات ، وكلما قام الإرهابيون بتفجير في سورية، ظهر خبير المتفجرات المذكور ليحمل الدولة السورية مسؤولية التفجير ، وهو يتحدث على الشاشة الصغيرة واثقاً أنه خبير متفجرات مما يوحي للسامع أنه يكذب بصدق .
ومن التدليس العجيب أن يستضاف طالب ثانوي كان يقلد أصوات الحيوانات في صفه إثارة للشغب والفوضى ، يستضاف في محطة تلفزيونية بريطانية على أنه ناشط حقوقي ، ولن أضيف أكثر لأن قمة التدليس السياسي نراها اليوم في حادثة اختفاء الصحفي السعودي في القنصلية السعودية في تركيا .
د. غسان لافي طعمة