يخطىء من يظن في موضوع اللغة العربية ، أنّ العرب فرضوا لغتهم على غيرهم من الشعوب أثناء المدّ العربي الإسلامي في زمن الخلافتين الأموية والعباسية …!!
الصحيح ،وهذه حقيقة تاريخية ،أنّ الشعوب التي دخلت الاسلام «تعربت «طوعاً بسبب إيمانها العميق بالإسلام واللغة التي نزل بها القرآن الكريم …!! وعلى العكس تماماً ، فقد فرض الاستعمار على العرب لغته ،في أثناء احتلاله لبلدانهم بدءاً من المستعمر التركي وسياسة «التتريك «وجعل اللغة التركية هي الرسمية في الدواوين وأعطى الوظائف والمناصب لمن يجيد التركية من العرب .ولعلّ أبشع صورة من صور فرض لغة المستعمر على العرب ،وبالتالي ،إضعاف اللغة العربية ،كانت من قبل المستعمر الفرنسي وسياسة «الفرنسة » في الجزائر .
هنا ،صمدت اللغة العربية وكانت لغة مقاومة للغات الدخيلة فقد وصل الأمر بالفرنسيين إلى فرض اللغة على التعليم وكل الدوائر ..ولكن كانت اللغة العربية في جبهة المقاومة ضد الفرنسة .وإذا كان الفرنسيون قد أحدثوا خدشاً في اللغة العربية ،فإن هذا الخدش سرعان ما زال بعد زوال الاستعمار والعمل الجليل من قبل البعثات التعليمية العربية إلى الجزائر لا سيما البعثة السورية من خلال حملة التعريب .
اللغة العربية لغة مقاومة ثقافة وفكراً صمدت» بوجه التتريك والفرنسة «لأن خصائصها الصرفية والنحوية والبلاغية ،وعشق العرب لها واعتبارها لغة مهمة من قبل كل العرب ،مسلمين وغير مسلمين .وهكذا فإن الغلو في التركيز على قوة الجانب الديني للغة العربية وإن كان صحيحاً ،لكنه ليس كل شيء بالنسبة للغة العربية التي كانت حاضرة قبل الاسلام .وتعززت قوتها لأن القرآن الكريم نزل بها .
ولا ننسى أبداً أنّ أعلام النهضة اللغوية والثقافية في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كان بعضهم من العرب المسيحيين أمثال :آل البستاني وآل اليازجي وآل معلوف في لبنان .
فاللغة العربية ،كانت ولا تزال ،خط المواجهة الثاني ضد المستعمرين والمعتدين بعد الخط الأول الذي يمثله الجندي حامل السلاح وهكذا صمدت ضد الدعوات المشبوهة لاستبدالها بلغات أجنبية بذريعة العلم والتقانة .وصمدت بفضل أهلها وأساتذتها ضد الدعوات المعادية والمشبوهة لاستبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني مع بقاء اللفظ .
وصمدت اللغة العربية ضد دعاة العامية الذين أرادوا استبدالها باللهجات العامية ،بحجة صعوبة الفصحى فوجود اللهجات العامية لا يضر بالفصحى لأنها لهجات شفهية ووسيلة التواصل اليومي الشفهي فقط .واللهجات العامية في أغلب أقطار العروبة تميل إلى التفصح لاسيما في بلاد الشام .
الحفاظ على اللغة وتمتين مقاومتها يكون بإتقانها الجيد وتجنب الخطأ في أثناء القول والكتابة ..وهي في كل الدساتير العربية لغة رسمية.
إنّ السماح لمن استوطن الأرض العربية باستخدام لغاتها في الحياة اليومية بين أفرادها ،لا يشكل خطراً على اللغة العربية لأّنها تقتصر على التواصل بين المجموعات .ولكنها انقلبت خطراً انفصالياً عندما تحوّلت إلى لغة التعليم والكتابة والدواوين في المنطقة التي استولت عليها «قسد «شمال شرق وشمال سورية ..وهذا ما تعمل الحكومة السورية على محو أثره بعدما تخلى الأمريكان عن «قسد» ويذكر أن الدعم المالي الكبير والعسكري هو ما جعل «قسد» تعتبر الكردية لغة المنطقة التي استولت عليها بدعم أمريكي استعماري وهذا يدلل على الاستعمار الثقافي وأول مخاطره وأهدافه النيل من لغتنا العربية المقاومة الصامدة ولعلنا نختم بهذين البيتين :
لغة إذا وقعت على أسماعنا
كانت لنا برداً على الأكباد
ستظل رابطة تؤلّف بيننا
فهي الرجاء لناطقٍ بالضادِ .
عيسى إسماعيل