تحية الصباح…طلابنا … الأقوى

ما زلت مقتنعاً القناعة كلها ، ومتأكداً التأكد كله أن طلابنا ، طلاب العلم والمعرفة في زمن الحرب الشرسة على وطني سورية هم الأٌقوى ، الأقوى من كل طلاب العالم قلباً منفتحاً ، وعقلاً نامياً قادراً على التأقلم السريع مع الظروف كلها سواء أكانت طبيعية أم صناعية أم نفسية أم مادية ، اجتماعية أم اقتصادية ، ولولا ذلك ما استطاع هذا الصبر الذي لا حدود له ، وخصوصاً أن هؤلاء الطلاب قد أمضوا سنواتهم الدراسية كلها في ظل العدوان الكوني الشرس على وطنهم والذي دخل سنته التاسعة أو سيدخلها بعد شهرين ، فمن حيث الظروف الطبيعية والاصطناعية التي لا تنفصل عن بعضها بل تقوم بينها علاقات جدلية ربما لم يخطر ببال أبي الجدل – الديالكتيك – هيغل .
فهو يغادر منزله في الصباح مودّعاً بشكوى الأبوين من انقطاع التيار الكهربائي وقلة المازوت وبطء توزيع اسطوانات الغاز … فيسرع إلى مدرسته ليجلس على مقعد قاسٍ خالٍ من الرقة والحنان ، في أجواء بردٍ لا تقل قسوة عن المقعد .
وعلى الرغم من كل ذلك يمسك بقلمه بإصرار ويتابع ويكتب غير آبهٍ بارتجاف يده أحياناً وتجمد أصابعه على القلم أحياناً أخرى وتبدأ رحلته اليومية مع مواد منهاجه الواسع الغني المتعدد الاتجاهات بين العلم والأدب والاجتماع والسياسة ، وما أكثر ما تجحظ عيناه بل يجحظ قلبه ، وهو يتابع بعض المعلومات ، وبعض التوجيهات للحصول عليها . أقلها : عد إلى الشابكة – الأنترنت – وابحث عن هذه المعلومات ودونها في مفكرتك ، أو ارقمها على الحاسوب ، ويلتفت حوله : أين الشابكة ؟! أين الحاسوب ؟ ويتذكر أنه في امتحان الشهادة الإعدادية منذ ثلاث سنوات وقف حائراً عندما طلب منه أن يكتب موضوع تعبير عن مشاعره عندما أضاع شقيقه الصغير في مدينة «الألعاب» ، فما هي مدينة «الألعاب» ؟ وأين تقع ؟ وماذا يوجد فيها ؟ وكيف ضاع شقيقه فيها ؟ ويتابع مناهجه بدأبٍ واجتهاد فهو يريد أن يتعلم أن يتقدم ولكن مفارقات مرة بين الواقع الذي يعيشه والمعلومات والأفكار التي يحصل عليها تصدمه بل تصفعه على وجهه صفعاً قوياً أحياناً .
اكتب محضر اجتماع للجنة تمكين اللغة العربية متبعاً الخطوات الآتية : مكان الاجتماع ، المجتمعون ، المناقشات ، المقررات، التوصيات ….. هو لا يعرف هذه اللجنة .. مكانها ، مقرراتها ، أفرادها … وعليه أن يكتب لها محضر اجتماع …!! بينما – فيكي تنتصري عالسرطان – في كل مكان .
يدخل طالب الصف الثالث الثانوي في متاهات مصطلحات فن الرواية التي أدخله إليها المؤلف بتعلقه بالناقد الروسي – توماشفسكي – فيصاب بالدوخة ، ويصاب بالذهول عندما يشرح له مؤلف البحث كيف تنجز الرواية العربية مستقبلها وقد أنجزت ماضيها وحاضرها ، وبرأيه يتم ذلك بمساءلتها الواقع الذي تتحرك فيه ، وبمساءلتها أدواتها وتقنياتها . ويحار الطالب أمام المساءلة ، ويتساءل : كيف لم يسأل المؤلف عن هذه المساءلة وترك على هواه ، هو ومعلمه – توماشفسكي – ويسرع أحدهم ليهمس : إن من كان من المفترض أن يساءله سر كثيراً بوضع اسمه بين عمالقة كتّاب الرواية – حنا مينه ، عبد السلام العجيلي ، هاني الراهب – وهو لم يكتب نصف رواية…!!!

د. غسان لافي طعمة

المزيد...
آخر الأخبار