كل الثورات الوطنية في العالم تكون أهدافها وطنية إنسانية تعمل على رفع الظلم والحيف عن الشعوب وإعطاء المواطنين حقوقهم في ظل وجود طبقات مستغِلة ومستغَلة ، إضافة إلى وضع هذا البلد أو ذاك على السكة الصحيحة التي تجعل المصلحة الوطنية هي العليا وليس مصالح بعض الأفراد أو الشرائح الذين يستغلون وينهبون الموارد والثروات الوطنية .
وأي ثورة لا تحمل هم الشعب ليست بثورة حقيقية ، وأي ثورة لا تضع المصلحة العليا للوطن فوق كل المصالح ليست بثورة وإنما عورة وكذب ونفاق ودجل وضحك على اللحى، والثورات التي لا تسعى لتقديم حقوق الجماهير وتحقيق الرفاهية للشعوب ليست بثورات وإنما مؤامرات تستهدف تحقيق المزيد من النهب والسرقات لمقدرات هذا البلد أو ذاك..
ونحن نعيش « اليوم» ، ذكرى عزيزة على قلوبنا جميعا ً ألا وهي ثورة الثامن من آذار المجيدة نتفاءل خيراً بهذه الثورة التي كانت نقطة تحول حقيقية في تاريخ سورية الحديث ، لأنها جاءت ثورة على الظلم والطغيان وكانت اسما ً على مسمى : ثورة العامل والفلاح وثورة الجماهير الكادحة ضد كافة أشكال القهر والاستغلال ، فثورة الثامن من آذار التي انطلقت عام 1963 كانت محطة نضالية مركزية في تاريخ نضال حزب البعث العربي الاشتراكي الذي حمل هموم الشعب العربي السوري وسعى خلال مسيرته النضالية الحافلة أن يجعل من سورية دولة قوية ممانعة صامدة بوجه كل المؤامرات التي تحاك لإخضاع الشعب العربي ليكون أداة بأيدي الدول الاستعمارية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تتوقف يوما ً خلال عشرات السنوات من التآمر ووضع المخططات والسيناريوهات لإركاع سورية التي عرفت أن طريق الخنوع والمذلة للإدارة الأمريكية لانهاية له فمن يتنازل مرة سيتنازل مرات ، ولن تتوقف الإملاءات الاستعمارية ، كما عرفت ( سورية ) أن طريق الكرامة والعزة هو الذي يعطي الدول مكانتها واحترامها بين الدول الأخرى.. وأن لا وجود في قاموس سورية لشيء اسمه تنازل حيث سارت بدعم كل الحركات الوطنية في العالم وسارت في محور المقاومة ودعمت الأحزاب والقوى الوطنية المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق ، ولهذا فقد انتصرت المقاومة الوطنية اللبنانية التي يقودها حزب الله على الأعداء الصهاينة في لبنان حيث جعل العدو الإسرائيلي يفر هاربا ً مهزوما ومدحورا ومذلولاً من الجنوب اللبناني على إثر الضربات الموجعة والعمليات النوعية التي نفذها ضد جيش الاحتلال وعملائه في الجنوب ، حيث حقق أكبر انتصار في عام الـ 2000 حين تحرر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك فقد حقق رجال الله في لبنان الانتصار الآخر عام 2006 إثر عدوان تموز الذي قاد الكيان الإسرائيلي لشن حربه الآثمة للقضاء على المقاومة في الجنوب حيث لم يستطع خلال حرب الـ 33 يوما من تحقيق أي تقدم يذكر ، كما انتصر المقاومون في غزة عام 2009 على الكيان الإسرائيلي ومنعوه من التوغل إلى داخل غزة المحاصرة .
لقد أسهمت ثورة الثامن من آذار في نقل سورية إلى مواقع هامة ليس على مستوى الوطن العربي بل على مستوى العالم ، حيث أصبح لها ثقلها السياسي بفضل القيادة الحكيمة للقائد المؤسس حافظ الأسد طيب الله ثراه واستمر هذا النهج بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد الذي كان خير خلف لخير سلف ، وبقيت سورية الدولة الصامدة والقوية في وجه المؤامرات التي تستهدف النيل منها خدمة للمشروع الصهيو أمريكي بعد أن اهتزت صورة الكيان الإسرائيلي الذي تلقى عدة صفعات موجعة على أيدي محور المقاومة في لبنان وفي فلسطين المحتلة .. ولذلك فقد حاولت الدول الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن تضعف الدولة السورية القوية التي وقفت في وجه المشاريع الأمريكية فأرسلت العصابات الإرهابية وبدأت حربا ً كونية قذرة منذ حوالي تسع سنوات مستعينة بكل حثالات الأرض ومرتزقتها وبعض الدول العميلة والخائنة للعروبة كالسعودية وقطر اللتين مولتا تلك الحرب بإدارة أمريكية ..
ومع كل ذلك لم تستطع كل تلك المخططات الدنيئة من إركاع سورية التي جابهت كل تلك العصابات بجيشها البطل الذي ترفع له القبعة لتضحياته الكبيرة وانتصاراته التي حققها في كل الميادين بدعم ومساندة من الأشقاء في محور المقاومة والأصدقاء الروس والإيرانيين وهي تحقق كل يوم انتصارات جديدة للقضاء على آخر معاقل الإرهاب وأكبرها في إدلب .
ثورة الثامن من آذار التي نحتفل بذكراها العطرة اليوم ذكرى غالية وعزيزة على قلوب الشعب السوري كونها حققت له نقلة نوعية في الحياة الحرة الكريمة الشريفة وهو الذي تعلم الصمود والكرامة في مدرسة حزب البعث العربي الاشتراكي ، ولاشك أن الانتصارات التي يسجلها الجيش العربي السوري على معاقل الإرهاب هي ثورات حقيقية على كل المرتزقة والخونة والمتآمرين..وهي بحق ثورات حقيقية ترفع لها القبعة احتراما ً وإجلالا..
عبد الحكيم مرزوق