تحية الصباح… من الذاكرة 53

مع مطلع الألفيّة الثانية كانت نشاطات محافظة إدلب ترتقي ذروة لافتة، تنظيماً، ومضامين، ولعل من أبرز نشاطاتها كان مهرجان الفنون الشعبيّة الذي ما يكاد القادم إليه يجد مقعداً لشدّة الازدحام والاقبال، وكنتُ عضواً في لجنة التقييم، وكانت الفرق الشعبيّة تمثّل جميع محافظات هذا البلد، من درعا جنوباً، إلى الحسكة شمالاً، ومن تخوم البادية حتى ساحل البحر، فيعيش الجميع عرسا متوالياً، أَلِقا، سدّ الكثير من الفراغ الذي كنّا نشكو منه، في هذا المجال، وأنا رافقت هذه المهرجانات قديما، حيث كان آخرها في مدينة حمص، على مسرح دار المعلّمين، منتصف ستينيات القرن الماضي، أو بعد المنتصف بقليل، ويومها فازت حمص بالمركز الأوّل عن تقديمها “عرس حمصي”، الذي مثّل فيه، وأشرف عليه وأخرجه الفنّان أحمد منصور.
منذ تلك الأيام، وفي المناسبات التي تلتْها كنت ألحّ على مسألة تسجيل هذه المهرجانات، لما فيها من قيمة فنيّة، ولما فيها من ثقافة تراثيّة، إضافة إلى أنّ بوادر تهديد تشويه الفولكلور، كذاكرة شعبيّة، قد بدأت تلوح مقدّماتها، وأنا عاشق لتلك الفنون لما فيها من جماليات، ومن معانٍ، ومن سطوع لا نجده إلاّ فيها، وكنتُ أشير إلى خطورة انقراض هذا الفولكلور، ولكنّ كلّ ما كتبتُه كان غيمة صيف عابرة لدى مَن بيدهم الأمر، ربّما لأسباب كثيرة، يأتي في مقدّمتها أنّ هذا الفنّ يحتاج لمَن يعرف قيمته، وأن لا يكون عنده مجرّد نشاط لوزارته، أو مديريّته.
اللاّفت أنّ أحد المصوّرين في مدينة حماة، كان يسجّل مهرجانات إدلب، صوتا وصورة، وقد أخذت عنوانه لأزوره وأشتري منه تلك التسجيلات، ولكنْ حدثت أمور منعتْني من ذلك،
لقد حفظت لنا كتب التراث الكثير ممّا كان في أزمنتها، ولعل من أبرزها كتاب “ الأغاني” الذي لم يستطع أحد من الموسيقيّين حلّ مفاتيح تلك (الأصوات)، وإلاّ لكنّا نستطيع الآن تقديم الغناء الذي كان يُغنّى في بغداد في تلك الأيام.
مسألة التسجيل والأرشفة مسألة حضاريّة وهامّة، ويكفي أن نتوقّف عند ما تقدّمه بعض الفضائيات من وثائق بالصورة والصوت، منذ أن عرف الإنسان هذه التقنيات.
الممثّل المعروف حسام تحسين بك، الذي بدأ حياته الفنيّة راقصا في فرقة أميّة زمن ازدهارها والعناية بها، يقول في إحدى مقابلاته أنّ عروض أميّة كلّها كانت مسجّلة، ومؤرشفة، ولكنّه أبدى الكثير من الحزن أنّ هذا الأرشيف لم يعد موجوداً، أوَ هكذا يكون حفظ الأمانة، واحترام التراث الفني الذي غُيِّب، بقصد أو بغير قصد، وهذا يخدم واحدة من أخطر ما تشتغل عليه دوائر التآمر الغربي، وهو مسح الذاكرة، بأنواعها، الثقافيّة، والفنيّة، والجماليّة، والوطنيّة والقوميّة، لتجد الأجيال القادمة ذاتها مُجوَّفة، فارغة، ومُلقى بها في العراء القاحل، الملحيّ، المميت.
تُرى هل لدى أيّ من مديريات الثقافة في هذا القطر، مَن فكّر بتسجيل بعض المهرجانات ذات المواصفات النوعيّة، وحفظها للأجيال القادمة، لنضع بين أيديهم ثمار بعض ما زرعناه، ولنحتفظ بسماته الخاصّة، فيؤرشَف، ويُحفظ؟!!
لقد عرفت محافظة حمص، قبل اندلاع الخراب العربي، لاسيّما في فترة الثمانينيات نشاطات نوعيّة عالية المستوى والقيمة، وها هي، كغيرها، تنفض الغبار التخريبي في نشاطات جديدة، أفلا يليق بالأعمال المقدّمة أن تُسجّل، وتُحفظ؟!!
أيّها الغيورون، القادرون في مواقعكم على تنفيذ ذلك، ما ذكرناه من بعض مسؤولياتكم، فهل تبادرون، أم أنّكم ستمشون على طريق مَن سبقكم في التفريط؟!!
عبد الكريم النّاعم

المزيد...
آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانوناً بمنح محامي إدارة قضايا الدولة بدل مرافعة شهرياً وإحداث صندوق مشترك لهم ردا على ما نشرته العروبة.. سيتم معالجة نقص المياه في الحارة الشمالية بالصويري ... مجلس الوزراء يناقش ويقر العديد من القضايا المتعلقة بالشق الاقتصادي والخدمي والتعليمي الجلالي: ضرورة ... سعر غرام الذهب ينخفض محلياً 25 ألف ليرة سورية جلسة دراسة قانون التجارة في حمص .. خلق بيئة استثمارية مشجعة و تبسيط إجراءات الترخيص ومواكبة التطور ا... 87 متقدماً لاختبار اللغة الأجنبية للقيد في درجة الدكتوراه بجامعة البعث الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 مصرف التسليف الشعبي ينضم لمنظومة الشركة السورية ‏للمدفوعات ‏الإلكترونية ‏ ضمن فعاليات احتفالية  أيام الثقافة السورية أمسية شعرية للشاعرين حسن بعيتي وأحمد الحمد... الطالب حسن وهبي من ثانوية الباسل الأولى للمتفوقين يحصد ذهبية في مسابقة التميز والإبداع على مستوى الو...