إنّ المنصب تكليف قبل أن يكون تشريفاً .. حين يُراعى مبدأ تكافؤ الفرص ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب..بمعنى مؤهّلاته، وقدراته، واستعداداته وكفاءته التي تثري الأداء ، لابمعنى أن يكون مناسباً لفئة أو ولاء غير الولاء الصادق والحميم للوطن وإنسان هذا الوطن، وحين ينهض صاحبه بمهماته بجدارة وإخلاص ، عندئذٍ تتحقّق جدارة المنصب ، وبهذا يصبح التكليف من أكثر المسؤوليات مشقّةً ، إّذ تتناسب هذه المشقّة طرداً مع علو المنصب ومساحة النهوض بالمسؤولية وبازدياد العبء المسلكي والأدائي وهنا سيحقق صاحب المنصب (المسؤول) شرف الأداء ويحقق (التشريف) من خلال قيمة ما أنجزه، و من خلال التواصل مع الناس ليقف على حاجاتهم وهمومهم ، ويستضيء بطروحاتهم ورؤاهم بآلية تلغي الحواجز بينه وبينهم..
تاريخياً ..وفي العالم كلّه..كانت الحواجز بين المسؤول والمسؤول عنهم عالية وكتيمة ..في العصر الحالي اضمحلّت هذه الحواجز في معظم بقاع العالم ، ولكنها لاتزال قائمة في الشرق عموماً. فبقي التعالي والبعد عن الناس صارخاً ، وهذا ناتج عن شكل وأسلوب وآلية اختيار صاحب المنصب غير المتشرّب بثقافة المؤسسة ، وقد يكون استمرار ذلك من رواسب نمط الإنتاج الذي ساد منذ البدء في الشرق ، كأحد صور الانعكاس بين البنية التحتية والفوقية في مجتمع من المجتمعات . ولكن وقد صرنا في زمن مختلف وبمواجهة تحديات تهدد حتى وجودنا برمّته فلابد من إعادة النظر باختيار من يقدر على النهوض بأية مؤسسة_ صغرت أم كبرت – كمسؤول عنها .
والمسؤول في اللغة هو من يُسأل من قبل من هو مسؤول عنهم ، المسؤول هو من يُسأل عن أدائه وإنجازه وما حقق من تطوّر إيجابي للمؤسسة التي نّصّب على رأسها ، وليس بالعكس،!!في غياب تطبيق مبدأ النقد والنقد الذاتي بشفافية وحرية مطلقة ، وهذا ما يجب أن تستوعبه كل التشكيلات التي تتعاطى الشأن العام ، وفي كل المؤسسات : الاقتصادية والاجتماعية ..والقانونية والثقافية وهي الأخطر. هذا المبدأ وتطبيقه مبدأ سلوكي وأخلاقي ضروري لمراجعة أي أداء سواء على الصعيد الفردي أم الاجتماعي ،وتطبيقه يجب أن يترافق مع كل لحظة أداء ، كي لايتراكم الخلل ..هذا المبدأ يشكّل منظومة التنْقية ، ومنظومة الضبط ، والتصويب الذاتي لكل أداء…
فلنتعلّمْ من الطبيعة ..التي تصحح ذاتها بذاتها وفق الأصلح . لأن النرجسية والغرور هما السبب في التآكل المناقبي للجميع .
غادة اليوسف