كانت السيدة مزهوة بتدبيرها المنزلي ،وقدرتها على التأقلم مع معطيات السوق الجديدة أو المتجددة كل يوم في حمى الأسعار الكاوية ونار الغلاء اللاهبة .
وكانت في نمطها السردي تعتمد على النمطين البرهاني والتفسيري لكي تدلل على حكمتها وقدرتها على مواجهة العوائق والموانع .قالت : كنت في الماضي لا أشتري إلا قطع -الشيش – الدجاجية وأتفنن في تحضيرها ،فارتفعت أسعارها فملت إلى الدبوس وكفّ الوردة ،فوخزني الدبوس بثمنه ،وصفعتني الكف على وجهي فانتقلت إلى الفخذ الكامل ولكنه هو الآخر رفسني كبغل هائج فانحزت إلى ميدان الجوانح –ولكنها حلقت عالياً ولم تعد تهبط ،وأصبحت عاجزة عن الإمساك بها ؟فقلت:الخير في السودات ، فاسود وجهي حين أخبرني البائع بثمنها الأكثر اسوداداً منها .قلت : وما يمنع القوانص ابنة عم السودات فالنسب واحد ،والقرابة حميمة فاتجهت إلى القوانص وأثبت أهميتها وضرورتها ولكنها هي الأخرى حلقت .
وما حدا أحسن من حدا ،فقلت بيني وبين نفسي :الرقاب والرؤوس جيدة ، فالرقاب جلدها مدهن والرؤوس تضم نخاعات ولسانات ،فهجمت نحوها ونوّعت في الإعداد والتقديم :شوربة ،برغل بدفين ، رز كبسة ، ولكن الرقاب تعالت والرؤوس شمخت وأصبحت قليلة نادرة ،فقلت وما يمنع ،ألست من أنصار مذهب أبي العلاء المعري الحياتي المعبر عنه في هذين البيتين :
ولما أن تجشمني مرادي
جريت مع الزمان كما أرادا
وهونت الخطوب عليّ حتى
كأني صرت أمنحها الودادا
وهذا المذهب الحياتي دفعني إلى شراء : الزاحف والقفص وهنا شعرت بالجهل المطبق بهذه المصطلحات : الزواحف والأقفاص ،عندما قالت :فاشتريت خمسة زواحف وعشرة أقفاص .
فقلت لها مستغرباً وجاهلاً :ما المقصود بالزاحف ؟ وما المقصود بالقفص؟
فأسرعت إلى القول :الزاحف : هيكل الدجاجة العظمى عليه بقايا من بقاياه .
أيعقل أنك لا تعرف هذه المصطلحات الهامة والمصيرية في عالم الدجاجة ؟!
قلت لها :أنا أعرف الدجاجة موحدة ،كنت أذهب في يفاعتي إلى جارتنا – نيوف- فأعطيها ليرتين وتعطيني دجاجة كاملة تطبخها أمي –طيب الله ثراها- كاملة وكانت كل عشرين بيضة بليرة .ولذلك كنت منشغلاً بنشيد ابن وطني – فخري البارودي :
بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان
ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان
فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا
لسان الضاد يجمعنا بغسان وعدنان
ومازلت أردده في مواجهة التجزئة إلى :شيش ودبوس وكف وردة ،وكاستليتا و سودة وقوانص وأفخاذ وجوانح وزواحف وأقفاص .
د.غسان لافي طعمة