يبدو أن صديقي ضاق ذرعاً بجدران بيته ، وهو من اعتاد – بحكم عمله – أن يكون بيته فندقاً منزلياً ومطعماً عائلياً . ولذلك بدا له مرور الزمان بطيئاً فأخذ يتذكر كل من تحدث عن بطء سير الزمن مثل أبي فراس الحمداني في قوله : تطول بي الساعات وهي قصيرة وفي كل دهر لا يسرّك طول وقبله الشاعر امرؤ القيس الذي أحس أن الليل ليل الهموم يرخي عليه ثقله ، كأمواج البحر ، وكأن نجوم الثريا قيدت بأمراس كتان إلى صخور قاسية
وليل كموج البحر أرخى سدوله عليّ بأنواع الهموم ليبتلي كأن الثريا علقت في مصامها بأمراس كتان إلى صمّ جندل ولم يكتف صديقي بهذا التذكر بل أخذ يصغي إلى الصمت المخيم ويحس في هذا الصمت نحيباً وعويلاً بل يحس عواءً للصمت ، وكأن الصمت ذئب جائع يعوي ، وكأن في أعماق صديقي ذلك البيت الشعري الذائع لشاعر قديم: عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وصوت إنسان فكدت أطير.
هذا البيت الشعري فجر في أعماقي حالة مشابهة ، فكتبت لصديقي ما يشبه أن يكون قصيدة تجمعت شذراتها في الأعماق وانسكبت دفعة واحدة ً ، لوحةً مرسومة بالكلمات المتدفقة ألواناً مختلفة تصوّر الحالة التي نحن فيها: ليل يكوّم عتمه والنور خبأه النهار والصمت أغمض من جواب راح يبحث عن قرار وأحس – كورونا – كلص الوقت مرسوماً على فيء الجدار جنيّة خرجت علينا من كهوف نفوسنا مثل الغبار هل نحن من نسج الحكايات البغيضة واستدار ؟. ما أبأس الإنسان يغرق في صديد وحوله ويقول : غار ! ما أبأس الإنسان يخسر نفسه ويصير عبداً للنضّار ! ما أبأس الإنسان يبني مجده فوق الدمار ّ ثكلتك أمك يا بن آدم ، يا بن سكينٍ ونار أنسيت مهد طفولة ٍ نسجته أمك من سرار ؟! فحملت – كورونا – وسكيناً إلى حفل انتحار ؟!
د.غسان لافي طعمة