يعيش العالم اليوم عصر تفجر المعلومات المذهل وقد أدت الثورة العلمية التكنولوجية وخاصة في مجال الأقمار الصناعية واستخداماتها الواسعة إلى ظهور كم هائل من المعلومات في كل لحظة كل ذلك أسفر عن بروز إشكاليات جديدة وتحديات غير مسبوقة وغير محسوب حسابها يتعلق بالوعي والقيم الإنسانية في إطار شديد التباين وظهر ما يسمى بعولمة الثقافة والتعليم وسائر مكونات المنظومة الحضارية ,إضافة إلى بروز أهمية المال والإعلام في تغيير خرائط الدول وأثر كل ذلك في تنظيم العلاقة بين الدولة ومواطنيها وبين القوى المحلية والعالمية وأثر أيضاً على الاقتصاد مابين المنتجين والمستهلكين ومابين العمال والمديرين وما بين الخبراء والمنفذين وبشكل سريع تظهر نماذج وقواعد للإعلام ما تلبث أن تتطور ليحل محلها الأحدث فيلغيها قبل أن تستوعبها النخب أو الإدارات فمن الإعلام من يشخّص الظواهر في مداها القصير وإطارها المباشر ومنها ما يتعلق في مداها البعيد وتأثيراتها المستقبلية ومن الناس من يرى الإعلام أنه أداة تحديث وتطوير في المجتمعات النامية أو المتخلفة بينما يرى البعض الآخر أن سيطرة المال والإعلام الغربي مجتمعين يعدّان نوعاً من الاستعمار الثقافي الذي يفرض هيمنته وقيمه والحقيقة أن الإعلام في الدول النامية يثير إشكالية أساسية في كونه يلعب دوراً مزدوجاً فهو قد يكون أداة للضبط الاجتماعي وأداة للتحرر في ذات الوقت كما أنه يمكن أن يساهم في الهيمنة الغربية على الأرض التي أصبحت قرية كونية ولذلك يجب الاحتراس والحذر من أن يشكل خطراً على المجتمع ذاته وقد يلبس العباءة والكوفية ليظهر بأنه من صنع المنطقة أو الإقليم وأن غايته نشر الوعي والثقافة والتحرر ويتدخل أحياناً بالأسرة والمنظومة الثقافية داسّاً السم في الدسم ويمكن أن أورد مثالاً عملياً عما جرى في فترة الحرب الكونية والهجوم الذي شنّ خلال تسع سنوات على سورية وقد قامت بعض الفضائيات المغرضة بدور رئيسي وتخريبي ساهمت لأبعد الحدود في المعركة ضد هذا البلد الآمن وقد حاولت هذه الفضائيات في البداية أن تظهر حياديتها واستقلالها وأنّها تعمل لصالح الجماهير العربية وأنها تدعو إلى الوعي والثقافة بالتوازي مع الحرية وكل ذلك كان تمهيداً لما يسمى( بالربيع العربي) أو ( الفوضى الخلاّقة ) وقد استغلت الأخطاء والثغرات وضخّمت كل ذلك مثيرة في الوقت نفسه الطائفية والفئوية والقبلية مما ساهم في زيادة الدمار والخراب وقد ثبت فيما بعد وباعتراف الذين أنشؤوا هذه المحطات على أرضهم أنهم استعانوا بها في تهييج الغرائز وخلق حالة من الفوضى دعمت التخريب ونسف المؤسسات وخلق حالة من الانقسام غير حقيقية بين أبناء الشعب الواحد والآن بعد أن انجلت الحقيقة وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود نحن مدعوون إلى فلترة الإعلام والمعلومات الواردة وصبها في خدمة أبناء الوطن وتوعيتهم من أجل وحدة وطنية راسخة ومن أجل تعميق الممارسة الديمقراطية وإناطة مهمة إلقاء الأضواء من قبل إعلام حي متنور ومتطور لإلقاء الضوء على بؤر الفساد وعدم السكوت عن الخطأ وجعل الإعلام بعد زيادة تأهيله ليواكب العصر سلطة رابعة وتفعيل ذلك على أرض الواقع ضمن خطة وطنية شاملة لمحاربة الفساد وإعادة مبدأ الشفافية في إعطاء المعلومات للإعلاميين الوطنيين لإعادة البناء في هذا الوطن .
عبد الغني ملوك