أعود للجزائر مرّة أخرى، وهي تُواجه ما تُواجه، وما أظنّ أنّ ذلك الحراك الأسبوعي خالٍ من وجود أيادٍ خبيثة ذات أهداف شريرة، أثناء تدريسي في ” سيدي عيش”، وهي عاصمة ” القبائل/ الأمازيغ الصغرى، والعاصمة الكبرى هي ” تيزي أوزو”، .. أثناء التدريس كنتُ أضطرّ للخروج عن مادّة الدرس إلى شيء، ما كنتُ اراه أقلّ أهميّة، فقد كنّا على علم، ممّن سبقَنا، وبصّرنا من السوريّين أنّ المخابرات الفرنسيّة والأطلسيّة ككل قد وضعت في اعتبارها إضعاف الجزائر منذ بداية الاستقلال، لأنّهم لا يريدون لبلد فيه خيرات الجزائر، أن يستريح في استقلاله، بل أرادوا أن يفتحوا مسالك في مناطقه الوعرة، ليظلّوا متحكّمين في النّهب والاضعاف، فانتشرت في منطقة القبائل / الأمازيغ مقولة سوّقتها دوائر الأطلسي، مفادها أنّ الأمازيغ/ البربر هم مجموعات انتقلت من أوروبا، واستقرّت في تلك الجبال، وكانت لغتهم لا تعرف الكتابة فأوجدوا لها أحرفاً، حتى أنّنا سمعنا أنّه في المناطق الجبليّة النّائيّة، المعلّمون الأمازيغ لا يتقيّدون بمنهاج الدّولة بل يعلّمونهم تلك الحروف القادمة من وراء البحار، ويثيرون فيهم روح التّميّز والانفصال، ومقاومة التعريب، وكان التعريب مسألة مركزيّة أيام المرحوم بو مدين، وإذا كنّا الآن نستمع إلى المسؤولين الجزائريّين يتحدّثون بلغة عربيّة فصيحة فالفضل لتلك المرحلة التي أسّست، وتُوبعت، وإنّي لأذكر أنّ الرئيس بو مدين قد أصدر أمراً بعدم الترفيع الوظيفي إلاّ للذين يتعلّمون العربيّة، وكان للمُعارين السوريّين دور فعّال في ذلك، ذكره أكثر من مسؤول في الجزائر في مناسبات عدّة، ولا أقلّل من جهود العرب الآخرين من مصر والعراق وفلسطين، ذات حصّة أعطيتُ معظم الوقت لأثبّت في أذهانهم أنّهم ليسوا من أوروبا، ولا عرف أجدادهم تلك البلاد فهم سكان البلاد الأصليّون، وأنّ معظمهم يعود في أصوله إلى قبائل قدمت من المشرق واستقرّت، وسألتُ أحد الطلبة، لو أنّك كنتَ لا تعرفني، وشاهدتَني أمشي في شوارع “سيدي عيش” فهل تستطيع تمييزي عن أهل هذه البلدة”؟ فقال :”لا”، قلت:” هذا يعني نحن وأنتم (كيفْ كيف) با للهجة الجزائريّة الدّارجة، أي مثل بعض”، بينما تستطيعون تمييز ( الغاوري)- الغين جيم مصريّة- بمجرّد رؤيته- و” الغاوْري” بحسب منطوقهم هو كلّ أجنبيّ، وتعلمون أنّ أهل أوروبا يمكن تمييزهم من بشرتهم، ومن الشُّقرة الغالبة عليهم، ومن الصفات البدنيّة اللاّحقة بهم كالتميّز بالطّول مثلا، لقد تمكّنت دوائر الاستخبارات الأطلسيّة أن تؤسّس لها قاعدة فاعلة في مقاومة التعريب، وكانوا يُطلقون عليهم ” المُتفرْنسون”، والمتفرنسون ليسوا أمازيغ فقط بل ثمّة عرب متفرنسون، نفخوا في تلك النّار حتى بلغت حدّاً مسّ الجانب الديني. لقد ترك الاستعمار الفرنسي الذي خرج مهزوماً في تصدّي ثورة المليون شهيد،.. خرج مهزوماً، وكالعادة، ترك بعض الركائز التي تبيع نفسها لأيّ شيطان عابر من أجل مكاسب زائلة، وكما فعل ببلدان أخرى خرج فيها من الباب وعاد من شبّاك المشاريع الاقتصاديّة، والتخريب، والاستمرار في نهب خيرات البلد، وهو ما عرفته معظم البلدان التي كانت مستعمرة، فالغرب تُخيفه صحوة بلدان العالم الثالث، لأنّها مجال نهبه لها، وسوق لتصريف منتجاته، حمى الله الجزائر، وكلّ بلد يكافح ضد الهيمنة الأجنبيّة ونهب أهل الداخل…