“الطحين الأسود ” فيلم روائي سوري,يتحدث عن قسوة الحياة المعيشية في بداية الخمسينيات من القرن المنصرم لدرجة أن الطحين في الجرن يصبح أسود اللون,وإذا فكرنا بمرادف لعبارة “الطحين الأسود” اليوم ربما نقول:”لقمة مغمسة بالدم” خاصة بعد حرب ضروس لم تبق ولم تذر,أما مناسبة الكلام فهو اللغط الكبير الذي يتم حول الخوف من توزيع الخبز على البطاقة الذكية,ولنقلْ في البداية أنه من المهم جداً في أي عمل هو الوصول لأهداف هذا العمل,و مشروع البطاقة الذكية في النهاية هو خطة عمل ويجب أن تحقق أهدافها ..ولكن يجب أن تكون هذه الأهداف معلنة وتفاصيل الاستخدام واضحة ومتناغمة مع الغايات بحيث تستبعد أية جزئيات لا تخدم أهداف البطاقة . واليوم من يحاول إيقاف الهدر في مادة الخبز يصطدم بمرارة الواقع ,فوزن ربطة الخبز ينقص كثيراً في الأفران الخاصة عن وزنها في الأفران العامة والفرق في الوزن واضح كعين الشمس بين الربطتين ,وبإمكان أي مواطن أن يزن الاثنتين ويلاحظ الفرق الذي يكاد يتضاعف ,وهذا واضح أمام جميع الأجهزة الرقابية بما فيها مديرية حماية المستهلك ,أما لماذا لا يتغير الواقع رغم الشكاوى العديدة, فأعتقد أن عرض الصلح من قبل حماية المستهلك بين المواطن الشاكي وبين صاحب الفرن كما تقول القوانين يفرِّغ مضمون الكثير من الشكاوى ,خاصة عندما ندخل في ثقافة “تبويس اللحى”,وبالتالي يصبح مفعول الشكوى غير ذي جدوى ؟سيما وأن الشاكي يقبل بالصلح ثم التنازل عن الشكوى, حيث يتطوع فريق من المستفيدين من صاحب الفرن بإشاعة ثقافة: الشكوى حرام …_وهل السرقة حلال_ …الشكوى ضرر ….يا حرام صاحب الفرن سيدفع من جيبه فيما لو جعل وزن الربطة مطابقاً لوزنها الرسمي لأن السعر لا يتناسب مع التكلفة فقد ارتفعت أسعار الأكياس وأجور العمال …إلخ من أعذار واهية تجعل الشاكي يتراجع عن شكواه ويقبل أن يسرقه صاحب الفرن جهاراً نهاراً رغم أنه يرى معظم أصحاب الأفران الخاصة التي تصنع الخبز قد طورت عملها وصار لها أفرع بأسماء براقة في معظم الأحياء لبيع الحلويات والمعجنات …_يخزي العين_؟والجدير بالذكر أن انتظار شكوى المواطن ليست الطريقة الوحيدة التي تعمل بموجبها مديرية حماية المستهلك فهناك كما نعلم الجولات الميدانية التي لا يُفاجأ بها أصحاب الأفران غالباً لأسباب معروفة للجميع وخاصة بعد اختراع ما يسمونه الهواتف الجوالة المهم في الحقيقة تلك الجولات ذات جدوى فعالة جداً في مكافحة السرقة ,طبعاً فيما لو تمت بالشكل الصحيح والسليم ,دون أن يكون الهدف منها زيادة عدد الضبوط من أجل الاستهلاك الإعلامي أي ذر الرماد في عيون الفيسبوكييين على الأقل ,مع العلم أن تغيير نوع الضبط يتغير بحسب العلاقة بين صاحب الفرن وبين منظم الضبط لأنه كما نعلم جميعا مخالفة نقص الوزن لها غرامة تختلف تماماً عن مخالفة سوء التصنيع وقسْ على ذلك حقيقة أن هذا واقع الحال منذ قديم الزمان بدليل ازدهار الوضع المادي للمشتغلين في الرقابة خلال فترة وجيزة من استلامهم لعملهم , ونقول البعض منهم إنصافا لأصحاب النفوس النبيلة ,أما وقد طفا موضوع الخبز على السطح مؤخراً بعد تطبيق توزيعه عن طريق البطاقة الذكية في بعض المحافظات كتجربة مؤقتة ,ستُعمم حتماً إذا ما نجحت كما تقول التصريحات ,إذن القلق طبيعي بسبب تجربة توزيع الغاز على البطاقة حيث صحيح انه تم تقليل الهدر إلى حدوده الدنيا , ولكن ارتفع سعر اسطوانة الغاز في السوق السوداء فباتت تُباع بعشرين ألف ليرة سورية_ إن توفرت_ وسعرها المدعوم فقط 2600ل س كما نعلم,واليوم الكل يقول إلا الخبز,والبعض يطرح فكرة عدم دعمه وعدم دعم أي مادة أخرى شرط أن يوزع مبلغ الدعم على الجميع كل حسب استحقاقه ,والبعض يردُّ على تلك الآراء بأن المواطن السوري اعتاد على أبوية الدولة فيما يتعلق بمتطلبات حياته الأساسية ….ورأيي الشخصي : الخبز على البطاقة الذكية .. فليكنْ …ولكن واقع الرغيف بحاجة لإصلاحات تحميه من السرقة ومن سوء التصنيع..وكلنا مع تصريحات وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك فيما يتعلق بإيقاف الهدر في مادة الخبز ولكن أيضا فليكن هناك تفعيل للرقابة حتى لو كان برقابة على الرقابة ومحاسبة صارمة …فهل سنفيد من كل هذا الكلام أم سنبقى ننفخ في قربة مثقوبة؟
محمد ثائر الجوجو