في مطلع هذه (التحيّة الصباحيّة) المعشوشبة ببعض حُبيبات النّدى الأليف، وشذا الياسمين المُنعش، لا يغيب القول: إنّ تكريم الأدباء والكتّاب والمفكّرين والمنتجين والمبدعين الحقيقيين، في حياتهم ووجودهم، قبل أنْ يحصدهم منجلُ الموت – وهو أقرب من سواد العينين إلى بياضهما، بل وأقربُ من حبلِ الوريد- لهوَ أمرٌ منطقيٌّ مُستحَبّ، وله بكلّ تأكيد دلالاته الاجتماعية والتربوية والأخلاقية بآنٍ.. بهذا الصّدد، ألم يقل الأديب والمربّي والفيلسوف الفرنسي الكبير “فرانسوا ماري فولتير”، (1694 – 1778(: “إنّ كلمة واحدة رقيقة، أسمعها وأنا حيٌّ أُرْزَق، هي عندي خيرٌ من صفحة كاملة في جريدة كبرى، كلّها تمجيد وإكبار وإطراء، تُكتب عنّي، حين أكون قد رَحلتُ عن هذه الدّنيا، وَدُفِنت”!! هذا القول على بساطته، له دلالة ومغزى عميقان، كيف لا، والأديب الفيلسوف “فولتير” هو واحد من دُعاة الثورة الفرنسية الكبار، وأحد فلاسفتها الأفذاذ، وواحد من نوابغ زمانه، كما يعرف أهل الدّراية والثقافة والتأريخ.. فهو يدعو صراحة، إلى تكريم الرّجال الحقيقيين، والأشخاص النّظفاء النّزَهاء، الذين يستحقّون التّكريم عن جدارةٍ واقتدار، في عزِّ حياتهم ووجودهم، وليس بعد رحيلهم وغيابهم عنْ هذه الحياة الفانية، وهذا لعمري دعوة مشروعة مُصِيبَة، إذْ لها دلالاتها الاجتماعية والتربوية والأخلاقية معاً.. تأسِيساً على ما وردَ، فإنّ الدول والحكومات التي تُكرِّم مبدعيها العِظَام، بأيّ ميدان من ميادين الحياة، إنّما تعبّر عن حيويّتها وديناميّتها وأصالتها، فالمُرَبُّون، “بُناةُ الأجيال” – تمثيلاً – “أعني المعلّمين والمعلّمات، والمدرّسين والمدرّسات”، الحقيقيين المخلصين الأكْفاء، بمختلف مراحل التعليم، الذين أعطوا عصارة عقولهم، وجهودهم، ونسغ أرواحهم، وصنوف المعرفة، وشمائل الأخلاق الفاضلة، والتربية النّافعة للوطن والأمة، وللطلاب ، واستمرّوا بعملهم التدريسي الميداني، شموعاً تحترق، حتّى أحِيلُوا إلى التقاعد، ألا يستحقّ هؤلاء وأمثالهم مثل هذا التّكريم المبارك، وهذه الالتفاتة الحانِيَة، من الجهات المعنيّة، قبل أنْ يخطفهم قطارُ العمر، وحتى يكون الكلام محايداً، وقريباً من الأفْهَام، ومتطابقاً مع واقعنا المَعِيْش، وكي لا نغمطَ أحداً حقّه، فقد شَرَعَت المؤسّسات الرّسمية ببلدنا العزيز: “بعض الهيئات والمؤسّسات الثقافية والإعلامية والتربوية والعلمية والعمالية، إلخ”، في العقود الأخيرة، تهتمّ بهذا الجانب الحيويّ اهتماماً ملمُوساً لافتاً، فقامت/ ولاتزال تقوم، بتكريم المُتفرِّدِين المتميّزين من المبدعين بكلّ ميدان، وكلّ حقل: “الأدب، الفنّ، السّينما، المسرح، الموسيقى، الغناء، الإنتاج، الميدان الحربي، المصانع والمعامل، إلخ..”، فتعمل على مَنْحهم أوْسمة وحوافز تشجيعية وتقديرية وحتّى مادية، تشكّل في بحر حياتهم تشجيعاً حيّاً طيّب المذاق، وتحفيزاً أكيداً لهم ولغيرهم، في أنْ يحذوا حذوَهم، لمواصلة العمل والمثابرة والنّجاح، بكلّ أريحيّة ونشاط، ونكران ذات،! إنّ دولتنا ، حين تكرّمُ مبدعاً، أو مربّياً، أو منتجاً، أو موظفاً، أو مديراً، أو ممثّلاً، أو إعلاميّاً، أو مطرباً، أو عاملاً من أحد الجنسين، أو بطلاً/ بطلة من أبطال الميدان، لا يزال على رأس عمله، أو أنهى خدمته الوظيفيّة الفعليّة، إنَّما هو تكريم حقيقي للوطن الأم، ولعموم الموظفين المخلصين النّزَهَاء، وتكريم بالوقت عينه للقيم النّبيلة، والأعمال الجليلة، التي تسعى الجهات المعنيّة، ذات الصفة الاعتباريّة، بكلّ تأكيد، لتأصِيلها وتجذيرِها في نفوس أجيالنا الصّاعدة، ذكوراً وإناثاً، الآن، وغداً، وفي كلّ حين، ثمّ “أليسَ الكَعْكُ منْ ذاكَ العَجِين”، كما يقول المثل؟! نعم، إنّنا حين نكرّم أحد المبدعين الكبار، وهو حيٌّ يُرْزَق على قيد الحياة، إنّما نكرّمُ بلا أدْنَى شكّ، العمل والإبداع بأبهى صورهما، وأجمل أشكالهما، وأرْقى التجلّيات..بل إنّ التّكريم تأكيد ساطع، وواجب لازم، لردّ بعضِ الجميل لأصحابه الحقيقيين، (وليس لأصحاب الوسَاطات والمَحسوبيّات والقرَابات)، وما شابه، ويصبح التخلّي عن هذا الفعل الحمِيد، أعني “التّكريم”، نوعاً من أنواع نكران المعروف، أو فقدان الذّاكرة، ، (وهذا ما لا تريده الدّولة، ولا الفئات العاملة الشّريفة المخلصة، على وجه القطع والتّأكيد)…
وجيه حسن