في أوائل ستّينات القرن الماضي، هذا إنْ لم تخنّي الذّاكرة، وكثيرا ما تخونني، بسبب تراكم الأيام، في ذلك الزمن صدرت في حمص مجلة أسبوعيّة بعنوان ” الخمائل”، وكان مكتبها في البناء المجاور لجامع النّوري، واستقطبت أقلام الأدباء الحمامصة، وكان مكتبها ملتقى لهم، والمجلّة أصدرها المرحوم محي الدّين الدرويش، بيد أنّ الذي كان يديرها فعلا ابنه الشاعر عون الدرويش الذي لم يكتب إلاّ الشعر العموديّ، وقد ورّثه أبوه حبّ العربيّة والدفاع عنها، وكانت له قدرة على اللقطات الطريفة في بعض أشعاره، والتي تنمّ عن مرَح في الداخل، وحساسيّة خاصة في الملاحظة، وفي الالتقاط، ومن أسف أنّه رحل عن هذه الدنيا قبل أن يرى أيّ أثر مطبوع له، ولا أعلم ما حلّ بقصائده التي تركها، ويبدو أن أحداً لم يهتمّ بذلك.
في ” الخمائل” نشرتُ عدداً من القصائد المكتوبة على نظام العمود، وبعد أن احتجبت هذه المجلّة بحوالي ثلاثين سنة، جاءني اتصال من المرحوم الشاعر سعيد السّطلي، وفور الرّدّ عليه قال لي :” اسمع، وبدأ يقرأ عليّ قصائد لا أدري أين قرأتها، بل وكنت ربّما أُكمل بعض الأبيات، فسألتُه:” لمن هذه القصائد”؟، فضحك وقال : ” هي قصائدك ” في الخمائل”، وصوّرها لي وأرسلها، ورغم زعم بعض أصحابي أنّي مرتَّب، فلا أعرف الآن أين هي بين عدد من المصنّفات والأوراق، وتحتاج إلى جهد، من وجهة نظري أنّها لا تستحقّه، وقد أكون مخطئا،
مجلّة ” الخمائل” في تذكّرها، أثارت سؤالا أراه مهمّا وهو ماذا عن المجلاّت التي صدرت في حمص، أو الجرائد الأسبوعيّة التي تقترب من صفة المجلّة، منذ بداية الاستقلال حتى الآن؟!!
في منتصف الخمسينيات كانت تصدر مجلّة ” الأمل” وكان يصدرها الشاعر المرحوم رضا صافي، فأين أعداد هذه المجلّة؟!!
جريدة ” الهُدى” الأسبوعية التي كان يُصدرها الصحفي والباحث المرحوم قاسم الشاغوري، ويساعده أخوه المرحوم كمال الشاغوري، ماذا حلّ بأعدادها؟
ملحق ” العروبة الثقافي” الذي خلق جوّا جديدا في حمص، واستقطب أدباء من خارجها فكتبوا له، وساهم في صدوره عدد من الفنّانين التشكيليين في حمص، ماذا عن هذا الملحق؟!
مجلة ” السنونو” التي كانت خاصة بالمغتربين، وديار الاغتراب، وخاصة في الأمريكتين، وكانت ذات هويّة خاصة، أصدرتها ” نهاد شبّوع”، وتمكّنت من استقدام العديدين من المهاجرين، حلوا عليها كضيوف، وعاجوا يُنبئون عمّا شاهدوه،
أليس من المهمّ أن تفكّر جهة ثقافيّة، أو أكثر من جهة بالتعاون للبحث عمّا بقي من تلك الصحف لأنّها ذاكرة مدينة، بل ذاكرة مراحل متتابعة فيها الكثير الكثير ممّا يلفت الانتباه، بكونه شاهداً على ذلك الزمن بتفصيلات طوتْها الأيام؟!!
أليس من الضروري أن نؤسّس لهذه الذاكرة، أو لمثلها، في هذه المدينة يمكن الرجوع إليها للدارسين والباحثين في قادم الأيام؟
أذكر على سبيل المثال أنّنا حين قرّرنا أن نحتفل بأربعين الشاعر خالد بشار، الذي جاء إلى حمص من ” دير الزور”، واستشهد في حرب تشرين 1973، في تلك الفترة رجعتُ إلى أرشيف جريدة العروبة الحمصيّة، ونقّبت في أرشيفها مدّة تجاوزت الأسبوعين لأحصل على بعض قصائد الشهيد خالد بشار، وكنت أقلّبها صفحة صفحة بحثا عمّا نشره، وكتبت عنه دراسة أدبيّة، قال لي عنها المرحوم صديقنا الشاعر ممدوح السكاف، حين ألقيتها:” يارجل شهّيتَني أن أكون شهيداً”، ومن أسف أنّني فقدتُ هذه القصائد التي جمعتُها، والدراسة التي ألقيتُ في أربعينه، وكم أنا آسف وحزين لذلك،
لم يعد لديّ الجَلَد الذي كنتُ أتمتّع به، للبحث بين ما لديّ من أوراق، وما بقي لي من همّة بالكاد يكفي لما أكتبه هنا وهناك، وعلى صفحة التواصل الاجتماعي،
هل من جهة في هذه المدينة، وعلى رأسها مديرية الثقافة في حمص، ترى في هذا المشروع ما يستحقّ العناء؟؟
أتمنّى ذلك
عبد الكريم الناعم