صرخة مدوية لذلك الباحث الأكاديمي ( ماليتوس) في القرن التاسع عشر عندما قال قولته التي أضحت مثل نار في الهشيم ويل للفقراء, قالها متحدثا باستقراء ، له مؤشراته انطلاقا من الكثافة البشرية على سطح هذا الكوكب فيه صيرورته أجيالا، تؤكدها الحتمية الوجودية لإرادة الخلق ضمن منطق الوجود في مساره مابين ولادة وموت، حياة وعدم ليدلل على معطى النافذة السكانية في مبحث الدراسات الاجتماعية، وليوضح عبر استشراف مدروس مدى التباين مابين الكثافة البشرية، وواقع الإنتاج وقلة الغلال لتكون النتيجة علاقة غير متكافئة، حيث أناس كثيرون، وغلال قليلة، وليس ذلك ضمن متوالية حسابية، بل ضمن متوالية هندسية مطردة.. ومن جانب آخر تأتي النتيجة ضرورات أبحاث لمعالجة واقع معيش، آنذاك، ضحيته حق الإنسان في مشروعية حقه في رغد عيش، وسعادة رخاء والمؤكد أن سعة القدرات في تمكين المرء ذاته لموارده الذهنية في تعديل آفاق الوعي واستثمار تلك القدرات وعيا معرفيا وخبرات إنتاجية، ومهارات حياتية، والغنى المنطقي في استثمار كل جهد، وخير إنتاج أيا كان نوعه وفق ظروف تسعف، ومحاكاة ميول واتجاهات تتماهى وواقع الحال في أي ميدان يفضي إلى منافع خير تعوض قحطا، وتفسح في المجال وفرة فإن ذلك يحيل الجدب نماء عطاء يورق نعماء آمال وارفة في دنيا الحال، وتجاوز المحال وفق مشاريع، للجهد الذاتي وعي الصباح في إشراقة النهار، وفرح الحياة في حيوية كل جهد.
ومع نهاية القرن العشرين ، وحيثيات التطور الإنساني في مجالات التفكير والإبداع، والتقدم العلمي بآفاقه جاءت العولمة الكونية قرية حقيقة واقع لمجتمع الكتروني وحتمية تكنولوجية ليغدو العالم، على الرغم، من خصوصية أنساقه في ميزاته علامات فارقة في هوياته المتعددة، تفرد، تاريخ في عادات وتقاليد ونظم ثقافة وغير ذلك.. ليأتي العالم متداخل الرؤى ومتباعد التصورات ضمن جدلية الأصالة والمعاصرة، والفروق في العادات والثقافات وغير ذلك، ولتأتي العولمة في انبساط كف الغزو الثقافي فخا مسيسا ذا صرخة أخرى ولا سيما في أبعادها الثقافية والسياسية والاقتصادية.. للتقانة ولغة الحاسوب متسع في توكيد الفجوة الرقمية، وتأخذ يد الاستعمار القديم والحديث بأشكالهما إحكام الربط وتعميق الفوارق المعيشية عبر الحصار والعقوبات والسعي الدؤوب لإفقار الشعوب ضمن هيمنة عصابات الاستعلاء الأمريكي، وضياع منطق حقوق الإنسان في سراب الادعاءات الكاذبة لشعارات رنانة في أفواه تجار حروب وشاربي دماء، وسماسرة تبيض أموال وتقديم الآلة والوسائط بديلا عن الإنسان، إذ يصرح أحد المسؤولين الغربيين أنه يستطيع الاستغناء عن مئات، بل آلاف العمال، فالحاسوب وبرمجياته ينوبان عن الآلاف من العمال الذين يحققون الربح بتسريحهم للشركات، والموات والهلاك لهم ولأسرهم هي الضياع في مهب الفراغ. وهكذا دوامة صراع الإنسان في مواجهة الظواهر الطبيعية والأمراض السارية، والفيروسات المستجدة والغزاة والمستعمرين والمتلاعبين بالعقول ، وأصحاب مشاريع صدام الحضارات .. إنه صليل الألم في أنين أنفاس تأبى الوهن، وتنشد الحياة.
هذا الإنسان الذي يرى في السلع والمنتجات قضاء متسع الغلاء اطرادا، حتى في تخزينه، وبأصناف مسلعة تتدحرج على درج القدرات، وتتناغم مع استقواء في غلاء، من غير أن تحصن قيمة في خلق لمعنى ربح في مشروعية جهد، بل جشع في ضرورات حياة والحال في صعود تسليعا، وهبوط في حرج تأمين مايحتاجه المرء فردا وأسرة، ومنطق الألفة في التكيف، ولكن من أين للمرء إن يقارب تكيف والحال مد في صعود الغلاء، وجزر في قدرات إنها الحياة، قيمتها في تراحمها وتكافلها إنسانا وقيما وتواصل تعاضد في كياسة ربح نبيل لقيمة إنسان في سعادة مجتمع، ونضارة مجتمع في مشروعية عيش تنفرج أساريره كرمى هذا الضيف العابر (الإنسان) قبل أن يتوسده المسار الحتمي فناء في سرير الأبدية، فالربح الحق هو كبر في شموخ الذات إمام قناعاتها، لا تورم إمكانات في متاهات ظروف عبرت جسورا من غير دروب عرفت وقع خطا أصحابها.
نزار بدور