سأتابع الحديث عن تجربة ” مجلس الفعاليات الثقافية” الذي استمرّ من عام 1985-1994،لأنّ في تجربته ما يستحقّ الوقوف، والقراءة العميقة، لما فيها من إيجابيات.
نعود إلى مجلس الفعاليات، وهنا لابدّ أيضا من توضيح أنّ كلاًّ من الثقافة والإعلام، من أجل نجاحهما،بحاجة للمال، وذلك لأنّهما دائرتان رسميتان يحتاجان للناس أكثر من احتياج الناس إليهما، وفي تقديري أنّه بعد أوّل اجتماع، تلمّس رئيس مكتب الاعداد هذا الأمر بوعي كبير، وبحساسية أدرك فيها أنْ لا بدّ من مصدر مالي يشكّل قاعدة لنجاح هذا المشروع، فبعض الفرق الموسيقيّة لا مقرّ لها، لأنّها عاجزة عن تسديد اجار أيّ محلّ، إذ لامورد لها، وبعض النوادي العريقة، كنادي دوحة الميماس، لم تكن اشتراكات أعضائه تُسدّد إلاّ جانبا لا يُذكَر من نفقاته، بل هو كان في أكثر من مرّة لا يملك تسديد آجار الدار التي يتّخذها مقرّا له، أذكر ذلك على سبيل المثال، وقد نفصّل في بعض تلك الجزئيّات، ومن خلال التنقيب وجد أنّ ثمّة بنداً في نظام البلديّة يخصِّص نسبة للثقافة ، وحين حسبها وجد أنّها تصل إلى مليون ليرة سوريّة، بعملة تلك الفترة، وهو مبلغ يجعل ذلك الحلم يقف على رجليه، ويسعى كما يسعى الاصحّاء، ولا شكّ أنّ مثل هذا الموضوع لم يتمّ بسهولة، بل نتيجة المتابعة، والإصرار، وصار هذا الأمر تقليداً بين مكتب الاعداد والبلديّة، آنذاك، وهذا المبلغ سمح لمن يريد القيام بنشاط متّفق عليه، وموضوع في البرنامج،.. أن يدعو أيّ محاضر من خارج المحافظة، فيخصّص له مكافأة ماليّة، فيستضيفه في أحد الفنادق اللاّئقة، بعد أن قرّر مجلس الفعاليات أن يُوزَّع ذلك المبلغ على الفرق والنوادي بحسب نشاطها، فالذي نشاطه أعلى يأخذ نسبة أعلى،
-لعلّ ممّا يُذكر لذلك المجلس أنّه وضع برنامجا تلتزم به المؤسّسات الثقافيّة، بحيث لا تتضارب النشاطات، فليس من المعقول أن يكون نشاط في اتحاد الكتاب العرب مثلا، ومثله، وفي ذات اليوم والتوقيت يُقام آخر في المركز الثقافي،
هنا من المفيد ذكر اسم الجهات التي كانت تنشط ثقافيّا وهي:” اتحاد الكتاب العرب- المركز الثقافي- رابطة الخريجين الجامعيّين- وكان من أثر تلك النشاطات أنّ بعض النوادي والجمعيّات بدأت تدعو لنشاطات خاصة بها، فازدحمت الأيام الثقافية، وبلغت مئتي يوم في العام الواحد، حتى أنّ العديدين ممّن دُعوا من خارج المحافظة قالوا ” حمص عاصمة الثقافة في سوريّة”، حتى أصبحت متابعة نشاطات حمص الثقافيّة تحتاج لترتيب مسبَق، رغم عدم تضارب النشاطات، ورغم الدّقة في التنفيذ،
-في نهاية زاوية هذا اليوم أقول سُقياً لتلك الأيام التي عرفنا فيها حمص وعرفتْنا، وازدهت بأزاهير تلك المرحلة، ولعلّها، لسبب أو لآخر، تشكّل حافزاً في قادم الأيام، فحلم النهوض من الرماد يُقابله حلم ما تحقّق ذات يوم…
عبد الكريم النّاعم