مع بداية فصل الصيف يبدأ مسلسل الحرائق ويستمر طوال الفصل ، ففي كل يوم يتم إخماد عدة حرائق في مختلف مناطق المحافظة من قبل رجال الإطفاء والدفاع المدني والزراعة بعد أن تكون هذه الحرائق قد التهمت آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية المزروعة بمحاصيل القمح والشعير والزيتون والأشجار الحراجية التي تعد ثروة لايستهان بها و تقضي على آمال الفلاحين وتعبهم وتحرق قلوبهم وجيوبهم التي أنهكتها الظروف المعيشية الصعبة وغلاء مستلزمات العملية الزراعية.
في كل عام نكتب ونناشد ونرفع الصوت عالياً وندق ناقوس الخطر حول ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بالحد من الحرائق والاستعداد جيداً في هذا الفصل للتقليل قدر الإمكان من الخسائر للحفاظ على ما تبقى من مساحات خضراء بعد أن تقلصت بفعل التعديات والتحطيب الجائر والحرائق المفتعلة من قبل ضعاف النفوس وتجار الأزمة من أجل التفحيم والتحطيب …
للأسف سيناريوالحرائق سنوياً يتكرر دون أن يتم تغيير أي جزئية في هذا المجال فالجهات المعنية تعرف تماماً أن أحد أسباب الحرائق وانتشارها بشكل واسع وخاصة في المناطق الجبلية والوعرة عدم أو قلة الطرق الزراعية ولكنها للأسف لم تفعل شيئاً لشق هذه الطرق لتسهيل وصول سيارات الإطفاء والسرعة في إخماد الحرائق والتقليل قدر الإمكان من الخسائر والأضرار ،فهل حجة عدم وجود اعتمادات لهذه الطرق مقنعة ، فالخسائر التي يتكبدها الفلاحون وعلى مدار عدة سنوات تعادل ما ينفق أو أكثر لشق مثل هذه الطرق أما النقطة الأخرى والتي لا تقل أهمية عما ذكرناه آنفاً فهي عدم تفعيل مراكز الإطفاء في الريف فكما هو معلوم السرعة في وصول سيارات الإطفاء كفيل بالحد من انتشار الحريق وأضراره والسؤال الذي نطرحه هنا لماذا لا يتم إنشاء مراكز إطفاء في الريف وخاصة في المناطق التي تكثر فيها الحرائق ، فانطلاق سيارات الإطفاء من حمص إلى الريف يستغرق وقتاً طويلا ونحن هنا لانقلل من جهود وسرعة تلبية رجال الإطفاء والدفاع المدني وجاهزيتهم على مدار الساعة للتدخل وإخماد الحرائق ولكن إنشاء عدة مراكز وتزويدها بآليات حديثة وعناصر مدربة تسهم في الحد من توسع رقعة الحرائق ، أما النقطة الثالثة والتي يتحمل قسم منها الفلاح فهي عدم إزالته الأعشاب من أرضه وتنظيفها قبل بداية فصل الصيف ، والأهم من هذا وذاك الاستهتار واللامبالاة من قبل البعض الذين يرمون أعقاب السجائر على جوانب الطرقات أو في الأماكن التي يقصدونها للتنزه والترويح عن أنفسهم غير مدركين خطورة تصرفهم وما يمكن أن يسببه من أضرار للبيئة والإنسان معاً .
ما أشرنا إليه آنفاً أصبح معروفاً للقاصي والداني ولكن للأسف لا حياة لمن تنادي
مساحات شاسعة خضراء ومحاصيل نحن بأمس الحاجة للحفاظ عليها في ظل حصار اقتصادي جائر من الغرب الاستعماري تتحول خلال لحظات إلى رماد تذروها الرياح وأراض قاحلة سوداء تحتاج عشرات السنين لإعادتها إلى ما كانت عليه .
الحرائق تحرق قلوب المزارعين والأهالي قبل أن تحرق الأشجار وتتسبب بخسائر كبيرة لهم وتحرمهم من محصولهم الذي يعتمدون عليه في معيشتهم فهو مصدر الرزق الوحيد للمزارعين الذين يناشدون في كل مرة الجهات المعنية بتعويضهم عن خسائرهم الفادحة وأن يكون هناك عدالة ومساواة في تقدير الأضرار والسرعة في صرفها وإن كانت لاتعادل
إلا جزءاً يسيراً من أضرارهم ولكن كما يقال ” بحصة تسند جرة “
السؤال الذي يطرح نفسه مع بداية كل صيف إلى متى ستظل الحرائق الجهنمية المتهم الأول وتقيد ضد مجهول أو توجه أصابع الاتهام لارتفاع الحرارة أو سرعة الرياح وننسى المتهم الحقيقي ،والملاحظ أن عدد الحرائق هذا العام أكثر من العام الماضي فهل تتحرك الجهات المعنية وتتخذ كل ما من شأنه وقف زحف الحرائق وإنقاذ ماتبقى من أشجارنا وغاباتنا ومحاصيلنا قبل فوات الأوان ؟ نأمل ذلك ..ولكن المؤشرات وللأسف لاتبشر بذلك !!
محمد قربيش