“كاتب وموقف” عنوان برنامج تلفزيوني حيوي، يستضيف فيه أحد الإذاعيين المتمرّسين، واحداً من كتّابنا أهل الخبرة والدّراية، يحاوره في أحد الأجناس الأدبية، “القصة، الرواية، الشعر، المسرح”، إلخ، يتمّ هذا بقاعةٍ من قاعات أحد المراكز الثقافية، بحضورِ لفيفٍ من متابعي مثل هذا البرنامج الغني والحيوي بآن! وبنهاية الحوار بين الكاتب والمذيع، يأتي دور الحضور لطرح الأسئلة على الكاتب، ليردّ على أسئلة الحاضرين من الجنسين، سواء أكانوا من الكتّاب والأدباء، أو من سواهم! السؤال هنا مُفادُه: هل هناك كاتب في بلدنا، أو في سواه من البلدان بلا موقف؟ سؤال مُوَالٍ: هل ثمّة كاتبٌ يحترم نفسه، ويقدّر جمهور القرّاء أو المستمعين حقّ قدرهم، يكتبُ من دون غاية شريفة يتغيّاها؟ ومن دون هدفٍ سامٍ ينشده، ويريد من ورائه التأثير الإيجابي في عقول القرّاء والقارئات، وفي نفوسهم؟ سؤال ثالث: أليس السعي إلى عملية بثّ الإشعاع الفكري في عقول هؤلاء ودواخِلهم أمراً مطلوباً، شريطة أن يأتي بلغة سهلة مأنوسة، بعيدة عن الوعورة والتّشابك والغموض؟ وإذا افترضنا جدلاً، أنّ هناك كاتباً بلا موقف أخلاقي، إنساني، وطني، فما قيمة ما يدبّجُه قلمُه، وما يحبّرُه يراعُه؟ في زَعْمِي – على تواضعه – فإنّ الكاتب الهُمَام، والكاتب المبدع، والكاتب الإنسان، ينبغي أن يكون له موقف حقيقي لافت ممّا يجري فوق تراب وطنه منْ حيفٍ وظلم، ومن فساد وإفساد، ومن ارتفاع الأسعار الذي أناخ بجسده الثقيل فوق الصّدور والقلوب، خاصّة وأنّ الأعمّ الأغلب من أناسِيِّ الوطن، قد طالتهم معاولُ غلاء أسعار المواد الضروريّة، لا الكماليّة في مقتل، لأنّ تجّار الأزمات شَرَعُوا يُخفُون الكثير من البضائع والمواد، ويكدّسونها في المخازن والمستودعات، لأجل رفع أسعارها، والسؤال الذي يطرح نفسه: مَنْ يُحاسِبُ مَنْ؟ ويتبعه سؤالٌ آخر: أليس رفعُ الأسعار الضرورية هدفُه: جعلُ المواطن مُثقلاً بالأعباء، غائصاً في حمأة الأسعار ولهيبها حتّى الثّمالة؟ الكاتب الوطني الحقيقي، هو الذي يشير إلى مَواطِنِ الفساد والفاسدين، يُعرّي أفعالهم الظالمة، أمام عين الشمس، على رؤوس الأشهاد، من دون تهيّب، أو خوف.. لقد شبع جمهورنا من المزايدات الكلاميّة الجوفاء، وقد اقتربت السكّين من الأعناق، بفعل “قانون قيصر” الجائر، وعلينا أن نكون واعين أشدّ الوعي لما يُحَاك لسوريانا، ولعددٍ من أقطار العرب، بالخفاء والعلن، فماذا نحنُ فاعلون؟ وكيف ستكون ردّات أفعالنا حيال هذا القانون المُجْحِف، مع التنويه أنّ كلمة “قانون” تعني في ما تعنيه: التنظيم، والدقّة، والإيجاب، وإحقاق الحقّ، وخير العباد، ووضع الأمور في سِياقها الطبيعي، وفي أنْصِبِتِها الصحيحة، من دون اعتداء، أو فرض سياسة خبيثة أفعوانية الشّكل والمضمون، تلك التي سنّها طغمة الشرّ والأذى، أرباب تمثال “الحرية” الكَذَبَة، قاتلو أطفال اليمن الشقيق، وأطفال العراق الشقيق، ولا تزال آلة القتل مستمرّة، اليوم وغداً، وعلى نحو ما جرى لسوريانا العزيزة، خلال تسع السّنوات المريرة، التي مضت، ولا يزال الإجرامُ مستمرّاً،.. الكاتب الحقيقي المبدع، هو صاحب موقف حقيقي مبدع، يقف بصلابة ضدّ “قانون قيصر” الاستكباري الظالم، وضدّ الاعتداءات، وضدّ سياسة إفقار الشعوب وتجويعها وتركيعها، وضدّ التسيّب، وهدر أموال الشعب، وضدّ الفساد والفاسدين، وضدّ كلّ مَنْ يعمل على تعميق هُوّة الفقر، و”سوريانا” منذ أزمنة سحيقة، يعيش الناس في رحابها باكتفاء تموينيّ ذاتيّ مشهود، حيث أراضينا الزراعية ولّادة الخيرات كلّها.. الكاتب ذو الموقف، له وجه مكشوف، نقيض ذاك الكاتب الرّمادي، الذي لا نعرف له وجهاً شمسيّاً، لأنّه متعدّد الرّؤوس والوجوه والآناف، مثل هذا الكاتب مُدانٌ مرفوض، لأنّ الكاتب الهُمام، ينبغي أن تكون له بصمته الخاصّة، التي يستطيع بها التّعبير عن مواجع الناس، عن همومهم، عن أحوالهم الصّعبة، عن معاناتهم التي وصلوا إليها، ليكون حقاً لسانَ صِدقٍ لدى مَنْ يعنيهم الأمر، الغاية من وراء ذلك: الحفاظ على كرامة الشّعب، وعلى الجمال الرّوحي لديه بآن..
وجيه حسن