لم يكن يوم الثامن من تموز عام اثنين وسبعين وتسعمئة وألف يوماً عادياً , فقد شهد في ضحاه حدثاً كبيراً له معان كثيرة , فقد انفجرت في مدينة بيروت سيارة الأديب غسان كنفاني وتناثرت أشلاؤه وأشلاء ابنة شقيقته – لميس – قناديل ضياء ومقاومة .
والسؤال الشرس الذي يطرح دائماً : لماذا استهدف الصهاينة وعملاؤهم في لبنان الأديب العربي الفلسطيني : غسان كنفاني , فقاموا بتفخيخ سيارته تحت جنح الظلام ؟!
أعتقد أن الجواب اليوم أصبح أوضح من أي وقت مضى وذلك لأن سلسلة الاغتيال امتدت من غسان كنفاني إلى الشاعر المقاوم كمال ناصر وحتى الفريق قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس .
فغسان كنفاني – ومن اغتيل بعده من قبل الصهاينة – لم يكن فرداً بل كان موكباً للنور , للفكر المقاوم , للنهج الذي عرف حقيقة الصهيونية وأهدافها الشريرة بحق الإنسان والأرض ..
كان صوتاً أدبياً مدوياً وسلوكاً نضالياً يحتذى , كان الكلمة الصادقة الملتزمة بالسلوك النضالي الثوري والرد الطبيعي على أولئك الذين يجعجعون بلا طحن .
فمن اغتال –غسان كنفاني – اغتال الفكر الثوري الذي عبر عنه أو حاول أن يغتاله لأن الفكر الإنساني الأصيل المعبر عن حق الإنسان في وطن و حقه في الحياة و الحرية لايغتال وإنما يبقى حياً .
فحتى اليوم والى نهاية الزمان مازلنا نردد مع غسان كنفاني : خيمة عن خيمة تختلف , فخيمة اللاجئ تعني التشرد والضياع والذل , أما خيمة الفدائي المقاوم فتعني العزة والكرامة والانتصار , ومازلنا إلى اليوم والغد نعتز – بأم سعد – المرأة الفلسطينية , التي تمثل فلسطين كلها .
ومازلنا نردد مع – أبي الخيزران – في رواية : رجال في الشمس لماذا لم يدقوا جدران الخزان ؟ كيف استقبلوا الموت صامتين ؟ إنها صرخة الحياة في مواجهة الخوف , فالخزان خزان الصهريج الفارغ كان قبراً لأولئك الذين حاولوا الهروب فيه إلى بلاد النفط والمال فعلى الفلسطيني أن يواجه ويقاوم هذا هو خياره الذي حدده غسان كنفاني . في روايته – رجال في الشمس .
ومازلنا إلى اليوم والى الغد نثمن رؤيته الفكرية الإنسانية في روايته : – عائد إلى حيفا – فالإنسان قضية وليس لحماً ودماً فحسب .
فالفكر هو الذي يشكل الإنسان , التربية في البيت , في المدرسة , في المجتمع , الإنسان في النهاية قضية .
لذلك أقول : لم يكن غسان كنفاني أديباً كلاسيكياً بل كان أديباً متفرداً , إنه أديب ذو رؤيا ولا أدب حقيقي دون رؤيا , ورؤيته إنسانية وطنية سامية , كما لم يكن غسان كنفاني مناضلاً عادياً إنه أديب قرن القول بالفعل , والتزم كلمته التزاماً ثورياً شاملاً , ولذلك ليس غريباً أن تترجم أعماله الأدبية إلى سبع عشرة لغة حية , وليس غريباً أن يبقى حياً في قلوبنا وعقولنا وقد مضى على اغتياله قرابة نصف قرن , وأقول : ما أحوجنا اليوم إلى أدباء يمتلكون ما امتلكه غسان كنفاني من رؤى وأفعال ونحن نواجه أشرس عدوان صهيوني غربي عربي على وطننا سورية ونحتاج فيه إلى الكلمة المقاومة الصادقة إلى جانب البندقية .
د. غسان لافي طعمة