أعلنتْ الامارات تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي، وهي بذلك تُخرجها من حدود التخفّي إلى العلَن، وستتْبعها دول أخرى، وليس في الأمر جديد عند العارفين ببواطن الأمور سوى هذا الخروج الوقح إلى العلنيّة والإشهار، فباعتراف أحد رجالات الأمن الاسرائيليين أنّ علاقة “إسرائيل” بالخليج ترجع إلى ما قبل خمسين عاماً، وهو كاذب حتى في هذه لأنّ عمْر هذه العلاقة هي عمر إنشاء هذا الكيان.
*في بداية إنشاء هذا الكيان، تآمر معظم ” حكّام العرب”، ولا أقول ” الحكّام العرب”، لأنّ العروبة بريئة من خياناتهم، والعروبة ليست (سلسلة) انتساب، بل (صدق) انتساب لصالح الأمّة.
*حين بوشِر بإنشاء هذا الكيان، وتنافخ بعض حكّام العرب، وشكّلوا قيادة موحدّة ل” جيوشهم”!!، سلّموا هذه القيادة لملك الأردن عبد الله الأوّل، وقد تكشّفت الوثائق فيما بعد، عن أنّه كان ينسّق مع غولدامائير رئيسة وزراء العدو الإسرائيلي، وبذلك أُحْكِمت الخطّة فقد أخرجوا الفلسطينيين من ديارهم، واعدين إياهم أن يعودوا بعد أسابيع، وبذلك لم يقطعوا عنهم السلاح والمال اللازمين فقط، بل وساهموا في تشريدهم.
*في فترة ما يُسمّى المدّ القومي، أُجبِر” معظم” حكّام العرب على الموافقة على ما تراه دول ذلك المدّ، لاعن قناعة، بل عن تسليم، والملك السعودي الذي قالوا عنه إنّه يريد أن يصلّي في القدس، كشفت الوثائق عن تلك البرقيّة الفضيحة التي أرسلها للأمريكان ويلحّ فيها على ضرب مصر عبد الناصر، وذلك قبل حرب 1967، ويحذّر فيها من وقوع المنطقة تحت السيطرة ” الشيوعيّة”!!
*بعد رحيل القائد المؤسس حافظ الأسد توهّم بعض ” أعراب ” الخليج أنهم قادرون على التسلّل إلى سوريّة، وحرْف اتجاهها المقاوم، وما تزال الأحداث قريبة من ذواكرنا، وحين يئسوا ممّا خُطِّط لهم، في مؤتمر قمّة بيروت، وكان الرئيس المقاوم إيميل لحوّد رئيسا لجمهورية لبنان، .. حين يئسوا ورأوا ” أنّ الصيدة فلتت” أشعلوا ذلك الحريق التدميري في سوريّة، لهدّ عمود خيمة المقاومة دمشق، كما ورأوا أنّ العراق قد خرج إلى حدّ من محنة الاحتلال، ونظروا بعين معلّميهم الأمريكان والصهاينة، آنذاك جاءتهم الأوامر بالخروج إلى العلن في علاقاتهم مع الكيان الإسرائيلي.
*إنّ هذه النّقلة من السرّ إلى العلن ليست أكثر من ضجيج فارغ، فهم كما ذكرنا ليسوا أكثر من أدوات يُؤمرون فيطيعون، وليسوا أكثر من بقرة حلوب حلبَها الأمريكان حتى لم يبق في ضرعها شيء، وما يجري ليس إلاّ لعبة انتخابيّة لصالح كلّ من ترامب ونتينياهو.
*الصورة الآن كما هي واضحة، سوريّة بعد عشر سنوات خرجت من دائرة النّار الخارجيّة، وحلف المقاومة إيران، وحزب الله، والمقاومة في غزة،.. على أفضل جاهزيّة لردع عربدة جيش الاحتلال الصهيوني، بل إنّ من يتابع خطابات سيّد المقاومة حسن نصر الله، وهو الصادق في كلّ ما قاله، يطمئنّ إلى أنّ الجاهزيّة العسكريّة لحلف المقاومة هي في أحسن أحوالها، وجنرالات العدوّ الإسرائيلي يعلنون ذلك صراحة، ولأنّ المشروع الصهيوني مهدَّد بالزّوال، فإنّهم يستمرّون في إشعال الحرائق حيث استطاعوا، لكي يُصبح إطفاؤها الشغل الشّاغل.
*ثمّة خيار وحيد لا غير، الاستمرار في المقاومة، وإيقاظ قوى الأمّة التي أُحبطتْ ليس من الخارج فقط، بل من الداخل، فنحن ما زلنا نحصد نتائج اتّفاقيّة كامب ديفيد وأوسلو، وخيار الحياة خيارنا الوحيد، ولا يكتمل النّجاح إلاّ بالضرب بيد من فولاذ على رؤوس الفاسدين في الداخل، والمهملين، والمقصّرين، وهذا لا يتحقّق إلاّ بمتابعة شؤون الشرائح الاجتماعيّة الفقيرة لتخليصها من الذين يسرقون أقواتها، وهم موجودون في معظم مفاصل حياتنا.
*سؤال لا يقلقني ولكنّه يثير عجبي، تُرى إلى متى تبقى بعض القيادات الفلسطينية متمسّكة بما انحدرت إليه في اتفاقية أوسلو ؟!!…
عبد الكريم النّاعم