استكمالا لِما بدأناه في زاوية سابقة، سأتحدّث عن بنية الموّال (السبعاوي)، فهو يتألّف سبعة أشطر، الثلاثة الأولى تلتزم ” جناساً”واحدا ، تامّا، ثمّ ثلاثة أشطر بجناس آخر كالأول، ويعود فيختم بشطرة سابعة تعود إلى الجِناس الأوّل، مثال:
حِمْلي بَرَكْ كالجَمَل من غير قولة أُخّْ ( أُخّْ كلمة تقال للجمل لإبراكه)
وأصبحت وحدي طريحْ الأرضْ نادي يايُمّا أَخْ ( أخْ كلمة تُقال للتوجّع)
أَصْدَقْ صديقاً إليبيّا اشتفى وقال أُخْ ( أُخْ مفردة شعبيّة تُقال للتشفّي)
أحبابْ عندي بكثرة غابوا عنّي يَمْ( ذهبوا في الاتّجاه)
وأصبحت كنّي بجهنّم أوْ بِقاع اليمّْ (اليمّ البحر)
نوباتْ أنادي يابويا نوباتٍ أنادي يَمّْ( أيياأمّي)
ما عادْ إلي مَنْ أناديهْ باسم الأخّْ( الشقيق)
وأداء الموّال يحتاج إلى صوت يتميّز بالقدرة الصوتيّة ، وبأن يكون ” القرار” و” الجواب” لديه على درجة رفيعة من التمكّن، وإلاّ فقدَ الكثير من بهائه، كما يحتاج إلى معرفة بعلم النّغمة، للتّنقّل بين الأنغام، إذا يبدأ المُغنّي من نغمة معيّنة، أعني مقاماً معيّنا، ثمّ يتنقّل بين الأنغام، ملوّناً، ومستعرِضا مهاراته، حتى إذا وصل إلى الشطرة السابعة قفلَ بالنّغمة التي ابتدأ منها، ولذا لا يُقدم على غنائه إلاّ الأصوات القادرة المتميّزة، وعلى مَن يريد سماع ذلك أن يستمع إليه بصوت وديع الصافي، أو محمّد خيري، أو صباح فخري، أو صبري المدلَّل، أو أبو حمدو البيانوني، وهو مطرب شعبيّ، أو بصوت حسن اَلحفّار الذي ليس لطريقته مثيل في الجمال، والتنقّل المفاجئ البديع بين المقامات، ولذا فقد أعرضَ عنه الكثيرون لأنّهم لا يملكون تلك المؤهّلات، بل يمكن القول إنّه نمط من الغناء الجميل الذي يكاد ينقرض إلاّ في القليل القليل، لصعوبة إجادته، قياسا إلى السائد، المتدنّي، والذي ليس فيه إلاّ الصراخ، وارتفاع أصوات المكبّرات
*******
الآن سأعود إلى تعداد الأصوات التي كانت تجد حضورها في برنامجنا ” هنا حمص” من أهل هذه المدينة، وأعتذر سلفا عن نسيان بعض الأصوات، فتراكم الزمن بهمومه، وبشيخوخته يُنسي:
ربى بطّيخ- حسام زكريّا- مهذّب الشيخ عثمان- محمد صنّوفة- أيمن السقّا- زينة غريبة- دلال عبد اللّه- ميّادة عيسى- نصر الدّين البدري- دلال توما- فهد الجنّيات- عدنان الخواجه- دريد لبابيدي- ميراي مصطفى- إحسان مندو- حيان المغربل، وثمّة أسماء أخرى ذكرناها سابقا.
*******
ممّا كنّا نبثّه لون ” العتابا”، وأنماط الغناء الريفي، والعتابا تتألّف من ثلاثة أشطر، في نهاية كلّ شطرة لفظة مَرْكَز تعتمد على الجناس، كما في الموّال البغدادي” والشطرة الرابعة تُختم بكلمة تنتهي بحرف الباء، ويُقبَل الحرف الذي نهايته ألف، مثال:
هَلي شَدّوا خيول السفرْ من عود( نوع من أنواع الخيول الأصيلة)
وْدَعوني أرْتجي لظعونْ من عودْ ( من عودتها)
وْلوْ انّْ العودْ يشبعْ ميّْ من عود ( عود الشجر المعروف)
ارْتوى الزغلولْ مِنْ ماء السّرابْ
وأداؤها يختلف باختلاف المناطق، فهناك العتابا الشرقيّة، والجبليّة الغربيّة، والشماليّة، والجزراويّة، والأبوديّة، وهو نوع من العتابا يُغنّى في المناطق الشماليّة الشرقيّة من سوريّة، وبناؤها كالعتابا تماماً غير أنّ آخر مفردة في الشطر الرابع تنتهي بالياء المشدّدة، ك: شْ بيديّهْ- شْ عليّهْ، ومن الذين استفدنا من غنائهم الريفي بأنواعه: عيسى العبّود- المشرفة- حمّادي الصالح –المضابع وسكن حمص وتوفي فيها- صالح الرمضان من سكّان حمص- محمد الحسواني حمص- فرحان الأشقر المشرفة- صايل شْتيوي زيدل- أبو فوّاز السطّاح ومصطفى الخطيب وآخرون من القريتين- وفؤاد عازي ( الغاب) حين كان لايغنّي إلاّ ذلك اللّون في بداية لمعان نجمه، كما استفدنا من مطربي هذا اللّون من جبل العرب، ومنهم محمود القنطار، والجبل يعجّ بشعراء الربابة، ولم نُغفل مناطق شمال سوريّة…….
عبد الكريم الناعم