وعاد تشرين من جديد… تشرين الذي ارتدى فيه العربي عباءة الانتصار في عام ألف وتسعمئة وثلاثة وسبعين ، وهو ما شكّل في تاريخنا العربي المعاصر فاصلة ونقطة تحوّل في مسار صراعنا مع الكيان الصهيوني المحتلّ لأعز أرض ، وأقدس أماكن في وعينا ووجداننا الجمعي الذي توارثته أجيال عن أجيال ، وهو ما سيظل في الضمير العربي الذي لا يُمكن أن يغفل عن ذلك مهما حاولت أيدي العابثين من العرب وغيرهم أن يحرفوا بوصلة ذلك التوجه عن سمتها ؛ فاليوم يعود تشرين ، وقد شكَّلت تلك المعركة الملحمة انعطافاً في مسيرة التاريخ العربي المعاصر بما اتخذته من أبعاد لم تنحصر في موضوعة الانتصار على العدو الصهيوني، وزوال وهم تفوّقه العسكري المزعوم الذي تحطَّم على صخرة الجبهتين السورية والمصرية والدعم العربي وحسب، بل تجاوزته إلى تأكيد الحضور العربي في الموقف على كلمة واحدة ، ولعلَّ تلك الكلمة التي جمعت العرب في تشرين هي سرُّ الانتصار ، والقوَّة الخفيَّة التي حقَّقت للعرب حاضرهم في عصرنا الحديث.
يعود تشرين اليوم والواقع العربي أسوأ ما يكون عليه في ظل التشرذم الذي وصلت إليه البلدان العربية التي لم تنقسم كلمتها على صعيد البلدان وحسب ، وإنما أصبح الانقسام على مستوى البلد الواحد في ظل انقسامات أسَّس لها الاستعمار الذي يختبئ تحت مًسميّا ت وسلوكيات يكون الرابح فيها من غير أن يزجَّ بنفسه في أتون حرب عسكرية عبر مرتزقة وجيوش يدعمها بالمال والسلاح؛ لتنفيذ مشاريعه فيما يبدو العدو الإسرائيلي المستفيد الأكبر من هذا الواقع الذي يصبُّ في مصلحته ، وتحقيق طموحاته التوسعية في ظل انغماس كل دولة عربية بمشكلاتها الداخلية الطارئة ، وهي تحاول تضميد جراحاتها بعيداً عن الشمل العربي الذي لم يبق منه سوى الذكريات المؤلمة ، إذ لا روابط تجمع ، ولا كلمة حق تُسمَع .
يعود تشرين والساحة العربية تعيش أسوأ حالاتها ، بل وصل الأمر إلى أننا نُصاب بالدهشة وسط هذه الهرولة العربيَّة باتجاه الارتماء في أحضان العدو من غير أن يحققوا أي مكسب يغطّون به سوء الفعل ، ودناءة الحالة التي آلت إليها مشهدية المواقف التي بدت ، وكأنها في حالة سباق بهدف الوصول إلى تحقيق منجزهم الاستسلامي فيما يُسمّى باتفاقيات التطبيع ــ التعبيد ـــ مع المحتل الصهيوني وداعمته الولايات المتحدة الأمريكية .
يعود تشرين هذا العام ، وهو يرى هرولة بعض الدول العربية التي لن تنتهي فيما يبدو عند البحرين وسابقتها الإمارات ، وما كان قبلهما من سوابق لن تقف عند حدّ ، بل يوجد لواحق ستتوالى دوائر اتَّساعها ، وربما لن تستثني إلا أقل القليل من البلاد العربية التي اتخذت طريقها النضالي الذي ترفض المساومة عليه مهما تكالبت عليها الدول ، ومهما قست ظروف امتحانها ؛ لأنها اتَّخذت منذ البداية طريقها الذي بدأته في تشرين النصر والتحرير ، وهو الطريق الذي لم ولن تحيد عنه حتى استرجاع الحقوق المغتصبة مهما شكَّك الآخرون، وأسرعوا مهرولين للارتماء في حضن المحتلّ والمُعتدين .
د. وليد العرفي