في اليوم السابع من تشرين الأول ، أي بعد بدء الحرب بيوم واحد قبل سبعة وأربعين سنة ، تجمعنا عند أول الطريق الترابي الذي يوصلنا إلى قرية ” القبو ” من قريتنا ” عرقايا ” وكنا طلاباً في المرحلة الثانوية ندرس في ثانوية القبو ، التي يأتيها الطلاب من كل القرى المجاورة وعندما كنّا على وشك الانطلاق هرع أحد المعلمين من أبناء القرية وأعلمنا أنه سمع قرار التوقف عن الدراسة بسبب الحرب … ولكننا لم نعد إلى بيوتنا بل لبّينا دعوة زميل لنا وذهبنا إلى بيته القريب ، وفي غرفة منفردة على سطح البيت ، لا نزال نسميها ” العلّية ” جلسنا ورحنا نستمع إلى مذياع التوشيبا الكبير … وكانت إذاعة دمشق تبث البيانات العسكرية وأخبار انتصارات قواتنا في الجولان أولاً بأول ..
وسمعنا أن ” موشي دايان ” قد أقسم لمراسل إحدى الإذاعات الغربية أن ” العرب هذه المرة هم من بدأ الحرب” وكأنه يستغرب ويكاد لا يصدق أن يبدأ العرب الحرب لتحرير أرضهم …!!. بعضنا ، في غمرة الفرح بالنصر ، قال إنه سوف يلتحق بالعسكرية بعدما ينال الثانوية وهذا ما حصل فيما بعد فقد التحق بعضنا بالكلية الحربية .. وهم اليوم ضباط متقاعدون .
الكتب الكثيرة عن حرب تشرين ، قلما تتحدث عن البطولات الفردية التي لولا تكرار روايتها من قبل أصحابها لما عرفنا شيئاً عنها .
هو الآن ، في العقد الثامن ، يده المقطوعة ، تشهد انه استبسل في حرب تشرين التحريرية . يروي القصة التي لايمل من تكرارها !
” كنا في القطاع الاوسط من الجبهة رصدنا آلية نزلت في حفرة على بعد ثلاثمائة متر من موقعنا المتقدم , كنا في حرب الاستنزاف واعددنا خطة للانقضاض على هذه الآلية وقتل وأسر من فيها , قاد العملية ملازم أول اسمه ” أديب الأمير ” هو الآن متقاعد برتبة لواء ، ومعه أربعة عناصر كنت واحداً منهم …مضينا زحفاً لتنفيذ المهمة ..عندما اقتربنا من الموقع سمعنا قهقهات الجنود الصهاينة وشاهدناهم مجتمعين في طرف الخندق المؤدي للحفرة حيث دبابة معادية بسرعة مدهشة تمت عملية الانقضاض والطعن بالحراب ، كما هي الخطة ..كانوا ثلاثة اثنان سقطا يتخبطان بدمهما وأسرنا الثالث وعدنا ..عندما علم العدو …كانت رشاشاته تلاحقنا ..لم يصب أحد سواي …عدة رصاصات في عضدي ..خسرت يدي اليسرى ولكن ربحت عزة وكرامة إلى الأبد .
قبل أيام زرته في بيته دهش لما رآني بعد غياب سنوات .
قلت له سأستمع إلى قصتك ..ربما للمرة العشرين ..لا أمل من سماع الحكايات عن بطولات جيشنا ..هز رأسه بشيء من الأسى وقال :
” ليت أمنيتي تتحقق قبل أن أموت !!” وقبل أن أساله عنها قال :
” ليتني أستطيع الالتحاق بجيشنا الباسل لمحاربة الإرهابيين . هؤلاء صهاينة جدد!!”