“تحية الصباح” … مجرّد رأي: إنّها المقاهي!

إنّه لأمرٌ مضحكٌ حدّ البكاء والتأفّف والقهر، أنْ تتكاثر أعداد المقاهي في بعض أحياء المدينة، بهذا الشّكل المُرعب المُخيف، وأن تصبح هذه المقاهي المُتكثّرة مأوى ومستراحاً للشباب من الجنسين، يقضون في رحابها، وفي فضاءاتها المُضِبّة غير الصحيّة عدداً من الساعات الطوال، من غير طائل، ولا فائدة بكلّ توكيد.. وبعد قرار منْع مثل هذه المقاهي من تقديم “الأراكيل” للزبائن، تفاءل الذين لا  يتعاطون “النّرجيلة”، المعسّل منها أو التّبغ – خيراً حين امتنعت المقاهي برمّتها، بسبب (جائحة كورونا)، امتناعاً تامّاً، بأمرٍ حكومي ناجح، عن تقديم “الأراكيل” داخل المطاعم أو المقاهي كافّة، ووجد غيرُ المدخّنين في هذا القرار الصادر عن أعلى الجهات الحكومية عينَ الصواب والحكمة، فقد وجدت هذه الجهات، أنّ المقاهي عامّةً، ستغدو في هذه الظروف العصيبة، بُؤراً وفضاءاتٍ للتجمّعات الشبابية، خاصة في فترة الحجر الصحي الوقائي، وهي التي تتطلع إلى التباعد بين الأفراد ضمن المكان الواحد، وخلال الإجراءات الاحترازية لمكافحة وباء “كورونا” الدّاهم، خشية من عدوى هذا الفيروس الخبيث، الذي ولله الحمد، أنّ أعداد المصابين به في بلدنا ليسوا نسبة كبيرة.

عَوْد على بدء، فهل انتشار عدد المقاهي، داخل بعض أحياء المدينة، بهذا الشكل المُقلق، بحيث صارت أعدادها على تكثّرها كالفِطر، هو علامة مضيئة في جبين المجتمع، بدلاً من انتشار عدد المكتبات، بما تحويه من فوائد شتّى لأولادنا من الجنسين؟ وهل عودة المقاهي بسرعة جنونية كسرعة الصاروخ، في الآونة الأخيرة، إلى ممارسة أنشطتها الخدميّة المعتادة، هو مؤشّر صحيّ إيجابيّ في حياة شبابنا وشاباتنا، على حدّ السّواء؟ والذي يحزّ في النّفس أكثر فأكثر، ويجرح عصبَ الرّوح مُضاعَفاً، أنك ترى إحدى الأمهات داخل المقهى، وقد تحلّق حولها عدد من بناتها المراهقات، يتعاطين الدّخان المعسّل كأمّهم، اللواتي يُتقِنّ فنّ إخراج سُحُب الدّخان من أنوفهنّ، وربّما من آذانهنّ وعيونهنّ أيضاً، غير عابئات بمخاطر الدّخان المعسّل وسمومه ومضارّ موادّه على أعضاء كثيرة في الجسم، بدءاً بأمراض الفم والأنف والأسنان والعينين والحبال الصوتيّة والجهاز التنفّسي والقلب والرّئتين والدّم عموماً، وهلمّ جَرّاً وسَحْبَاً!! والغريب العجيب، على المقلب الآخر، أنّ مَنْ يتعاطى الدّخان، على ارتفاع أثمانه، وانتشار محلّات بيعه بشكل فِطْريٍّ، بهذا الحيّ أو ذاك، يدعو إلى التذمّر والتأسِّي، من الحال المزعجة المُقلقة، التي وصل إليها شريحة كثيرة أو قليلة من شباب مجتمعنا العربي السوري وشابّاته، بخاصة فئة المراهقين! فهل انتشار محلات بيع الدّخان الوطني والمُستورَد بهذه الكثرة الكاثرة، هو مؤشّر إيجابيّ في حياة المواطن  والمُواطِنة بآن معاً؟! علماً أنّ النقود التي تُصرَف على شراء علب السجائر، أو ما يسمّى “الكروز”، أو “الكروزات”، تعادل مصروف الأسرة على شراء اللحم والفاكهة والمواد الغذائية الأخرى، على مدى أيام الشهر بطوله وعرضه!!

وحين يزور أحدنا أحد محلّات بيع الدّخان بأنواعه، فإنّه يُصاب بالدهشة، وهو يرى أعداد المتقدّمين المتزاحمين من الجنسين، لشراء “كروزات” الدّخان من هذا الصّنف أو سواه، المحلي والمُستورَد، ويُصاب أحدنا بدهشة أخرى حين يرى أمامه على قربٍ قريبٍ ربطات النقود من الفئات كافّة، وقد وضعها صاحب المحلّ أمامه كالهرم على البلاطة الرّخاميّة العريضة، التي جُعِلت فاصلاً بين صاحب المحل والزبائن، حتى لتظنّ نفسك أنك داخل أحد البنوك..

زبدة القول: هل بيننا مَنْ يملك إرادة فولاذيّة، فيمتنع عن تعاطي الدّخان المعسّل والدّخان التّبغ بآن، ليجنّب نفسه الأذى، ثم ألم يكتبوا على وجهي علبة الدّخان: “الدّخان يضرّ بالصحّة، ويؤدّي إلى أمراض في القلب والرئتين وتصلّب في الشّرايين”.. إلخ؟!

وقديماً قِيل:

“إذا طالبَتْكَ النّفْسُ يوماً بِشَهْوةٍ  وكانَ إليها في الخِلافِ طريقُ”

“فَخالِفْ هَواهَا ما استطعْتَ فإنّما  هَواهَا عَدوٌّ والخِلافُ صَدِيقُ”..

وجيه حسن

المزيد...
آخر الأخبار