حالة تستحقّ الرّثاء
هذه الأنقاض المترامية هنا وهناك وهنالك، هذه العمارات الخاوية على عروشها، هذه المباني الحزينة على فراق أصحابها، التي تعضّ النّواجذ حزناً عليهم، لماذا تركوها عرضة للرّيح والصّمت، ونهباً لذكريات السنين الجميلة، فمنهم مَنْ ذهب إلى محافظة أخرى، ومنهم مَن لجأ إلى دولة عربية مجاورة أو بعيدة، ومنهم مَنْ ركب أمواج البحر المتلاطمة ذاهباً في المجهول، تائهاً في درب الاغتراب والآهات، ناسِياً أو متناسِياً أنّ مَنْ يخرج من وطنه يَعْرَى!
القبّة الخضراء.. “السّماء”
يقولون في جلساتهم وتخميناتهم: لقد تأخّر هطول المطر، وقد صرنا في مطالع تشرين الثاني ، وأنا بدوري أقول مع القائلين: صفُّوا نيّاتكم، اغسلوا قلوبكم ونفوسكم من أدْرانها وسُوءاتها، أحبّوا بعضكم بعضاً، اعطفوا على صغاركم، احترموا كبار السنّ بينكم، زوروا مرضاكم، اتقوا الله في اليتامى، وفي البيع والشراء والحقوق ومعاملة المُراجِعين، حينها وعندها ستجدون أنّ السماء، ذات القبّة الخضراء، ستجود عليكم بخيراتها، ومائها العذب النّمِيْر..
في زمنٍ ليس ببعيد
من سنة من سنتين، من عشر من عشرين، كنّا نرى شوارعنا وأحياءنا وأرصفتنا وأسواقنا أكثر نظافة من اليوم، فكانت أعيننا تقع على أحد موظفي النظافة، يطلقون عليه تسمية “المراقب”، مهمّته الرئيسة متابعة عمّال التنظيفات، ومراقبة أعمالهم، والتأكيد عليهم بأن تكون الشوارع والأرصفة والأماكن القريبة من الحاويات أكثر نظافة وتألقاً، ويومها كان عمّال النظافة يتبعون “مصلحة التنظيفات”، التابعة بدورها لمجلس المدينة، اليوم ماذا دَهَانَا/ دَهَاكُم؟ أهيب بالمعنيين، أن ينزلوا إلى الشوارع، وأن يفتحوا زجاج سياراتهم المُفَيَّمَة، حينها وعندها سيَرَوْن العجبَ العُجاب..
غاية واحدة: ازدراء القارىء
الكُتّاب المَهَرة، أرباب الأقلام، أهل الفكر، أصحاب الهمم، اتّقوا الله في الذي تدبّجون له مقالاتكم، وترسمون له في كتاباتكم خطوطاً ورؤى وتطلعات يكتنفها الضّباب، فإذا كانت الكتابة غائمة سديميّة مُطلسَمَة، لا يستوعبها حتى الأنداد من الكتّاب الزملاء، فما بالكم بأنصاف المتعلّمين، أو أرْباعهم؟ ليست الغاية من الكتابة، أيّها السّادة، ازدراء القارىء، وعدم احترامه واحترام وقته، بل الغاية كلّ الغاية احترام القرّاء والمتابعين، فالكاتب الحقيقي، صاحب العقل المُتنوّر، إنّما يكتب لهؤلاء، كي يقرؤوا كتاباتِه، ويهتدُوا بِمِشْكاتِها ونورِها، ثمّ لتكون حروفه وكلماته ذات جرس وتأثير في نفوسهم، وفي قلوبهم..
مقاهي المدينة.. الثقافية
في زمن مضى، كانوا يطلقون عليه عبارة “الزّمن الجميل”، واليوم نحن نفهم من هذا، أنّ الزّمن الذي نعيشه ونحياه حالياً، ليس جميلاً، ولا آسِراً؟ في ما مضى كان هناك مقاهٍ في هذه المدينة أو تلك، كمقهى (الهافانا) بالعاصمة دمشق، يأتيها كبار الكتّاب والأدباء، أهل الشعر والنثر، وكبار السينمائيين والممثلين والمسرحيين والمخرجين والرسّامين والنّحاتين، يجلسون، ليتناقشوا في قضايا الأدب والفن والمسرح والسينما إلخ، الغاية تطوير أعمالهم، والاستفادة من تجارب بعضهم بعضاً، وفي هذا تكون جلساتهم فيها المضيء والمفيد، لأنّهم في مقاهيهم الثقافية، يلتقون لأجل الحوارات البنّاءة، لا من أجل تدخين الشّيشة المعسّل، وارتشاف كأس المتّة أو العصير أو المشروبات الباردة، وتضييع الوقت هباءً، والدخول في أحاديث فارغة، ليست بذات نفع، بالأعمّ الأغلب..
كُلَيْمَات.. للذين يعتلُون المنابر
حين يُدعَى أحد المحاضرين، لإلقاء محاضرته، وحين يُدعَى كاتب أو كاتبة، لإحياء أمسية قصصية أو شعرية، بأحد المنتديات الثقافية، فالحريّ بالمُحاضِر الهُمَام، أنْ يكون ملمّاً بأدوات الكتابة، من نحو وقواعد وإملاء، وقراءة لغوية صحيحة مُعافاة، وهذا أضعفُ المطلوب، ناهيك عن القيمة الفنية، ومضمون العمل، وجودة ما يورده الكاتب في خطابه ومقاله من عمق أدبي أو فلسفي أو معرفي، لأنّ الكاتب الحق، لا يريد أن يكون مستمعوه ممّن يُصابون بالملل والتّململ، وهو يقرأ أمامهم وعلى مسامعهم خطابه الأدبي، أو مقاله الفكري، عليه فنحن شريحة الكتّاب، مُطالبون بتجويد كتاباتنا، وتحسين مقالاتنا، وإلّا فلا فائدة تُرجَى من كلّ ما نكتبه، وما تدبّجه أقلامنا..
إنّ الأمل وطيد، في أن نحسّن جميعاً من أدائنا، وأن نتسلّح بأدوات الكتابة على خيرِ ما يُرَام، وقولي من قبيل المثل المشهور: “ابدأ بنفسِك ثمّ بأخِيك”، ولَنِعْمَ ما قِيل يوماً:
(وإذا رَأيْتَ منَ الهلال نُموَّهُ أيقنْتَ أنْ سَيَصِيرُ بَدْرَاً كامِلاً)..
وجيه حسن