هم واحد كان يستحوذ على تفكيره وأحاسيسه ،هو ما تحتويه جيوبه من ليرات قليلة تجلب له الهم والغم والقلق لم يفصح عنه إلا بشروده بين حين وآخر وتمتمات مبهمة لا يعدم من كان إلى جواره فهم بعضها ،وعيناه أبداً على الفواكه والخضراوات واللحوم التي تبسط أجنحتها على أرصفة المحلات وداخلها لتعطي المكان منظراً جميلاً يدخل اللهفة إلى القلب والمتعة إلى النفس وتفتح الشهية إلى المعدة ،ليلقي نظرة حب استطلاع وفضول فقط على الأسعار التي أخذ يحوم حولها ويحيط بها كإحاطة السوار بالمعصم ليتابع رحلته بشيء من التهكم والرثاء لحاله وحال الكثيرين من أمثاله ….
تعلًم المفاصلة والمفاوضة على الأسعار ،لا يشتري شيئاً إلا ويسأل عن سعره هنا وهناك قبل شراء ما يحتاجه لأن هناك تفاوتاً في الأسعار بين محل وآخر مدهوشاً وكأنه يتفرج على صندوق الدنيا المحمل بالعجائب …
يقول في نفسه لو قدّر لي أن أمارس صلاحياتي لكنت دفنت رغباتي لتلك الفواكه والخضار إلى الأبد ،فبضع آلاف ماذا تشتري للبيت من حاجياته ،إنها لا تغطي حاجة الأسرة ليوم واحد من صابون وسكر وشاي ورز وزيت والمتطلبات الحياتية الكثيرة والتي تتبخر سريعا ،وباتت تلك الآلاف كسحابة في تموز لا تأخذ مكانها في السماء حتى تتلاشى أمام أشعة الشمس الساطعة ..
عفاف حلاس