قالها الوزير وليد المعلّم “المعلّم” يوماً أمام العالم بِأسْرِه، في مبنى الأمم اللامتّحدة، من غير تهيّب، ولا أدْنى وَجَل: “إنها سورية”.. فقد كان الرّجل وزير الخارجية اللامع مُحبّاً لتراب وطنه حبّاً لا حدود له حتى الثمالة..
لم يمهله الزمن طويلاً، ليرى انتصار وطنه القريب على قوى الغدر والظلام والدّم..
أخيراً، وبعد تعبٍ مُضنٍ، وعملٍ وطنيٍّ دؤوب، وسهر وسفر ولقاءات واجتماعات، على مدى سنوات طويلة، ترجّل الفارس المعلّم “المعلّم” عن صهوة الجواد، عن قلعة الدبلوماسيّة السورية إلى مثواه الأخير، نعم ارتحل معلّم الدبلوماسية الأول “المعلّم”، لم يمهله الوقت طويلاً، حتى يشهد الفصل الأخير من انتصار وطنه على الظلاميين الإرهابيين، خفافيش الظلام، أعداء البشر والحجر والشّجر، الذين عاثوا في سورية فساداً وإرهاباً غير مسبوقَين، فقد أحدثوا الكثير الجمّ من القتل والإجرام، وارتكبوا أفظع الجرائم وأكثرها تشنيعاً بحقّ الشعب السوري، وبحقّ كلّ شيء في هذا الوطن المقاوم، وقد آمن الوزير المرحوم المعلّم “المعلّم” بالعروبة ، والقومية العربية إيماناً راسخاً مُتجذّراً، لم يتزحزح عن هذا الإيمان العميق الساطع قيْد أُنملة.. وكان المعلّم “المعلّم” – رحمه الله، يترجم كلّ ذلك عملياً في المحافل الدولية، وينادي بذلك علناً وصراحة وجراءة، بملء حنجرته الذهبية، وبذاك الهدوء الجمّ، الذي عُرِف به، ضارباً عرض الحيطان بكلّ الأبواق الهزيلة، والدّعوات الخاوية على عروشها، وتلك الأصوات النّاعقة كنعيق البوم..
نعم توفي المرحوم المعلّم “المعلّم” فجر يوم الاثنين، الواقع في 16 – 11 – 2020، كان ذاك الفجر الأليم مُفعماً بالسواد، متّشحاً بفوانيس الحزن، ولون العزاء، ولم يكن الفجر الأسود وقتها مشرقاً بتباشير الصباح، وعم الحزن لهذا الخبر المدوّي، لهذا النّبأ الصاعق، لأنّ الحزن على رحيل هذا الرّجل الفذّ كان حزناً عارماً، ألماً مُمضّاً، شملا “سوريانا” من أقصاها لأقصاها لأدناها، وخلّف في النفوس الشريفة الأبيّة وجعاً وبِيلاً من الصّعب اندماله.
كان المعلّم “المعلّم” رحمه الله، رجل الدبلوماسية العربية الأوّل بدرجة “ممتاز”، بل بدرجة “شرف”، فقد استحقّ هذا الرجل الوطني مثل هذه التّسميات وسواها عن جدارة واقتدار.. كان الرّجل المعلّم، كما يعرفه مَنْ عايشه وعاصره عن قرب قريب نظيف اليد، طيّب الأُحدوثة، نقيّ التفكير، فارس السياسة العربية، محبّاً لتراب وطنه السوري حدّ التّماهي والذوبان والعشق، فقد استرسل في الدّفاع عن بلده دفاعاً مستميتاً في كلّ المحافل، سلاحه الكلمة، بندقيته الموقف، على الرّغم من كمّ الإغراءات الماديّة وغير الماديّة، التي قُدّمت إليه خلال الحرب الظالمة المُتشنّعة، التي شنّها الإرهابيون الأعداء بضراوة ووحشيّة وجهل، منذ شهر آذار العام 2011، على وطننا الصّامد.. لم يهن المعلّم “المعلّم” يومها، لم يرضخ أبداً، لم يستسلم بتاتاً، رغم كلّ تهديد ووعيد، فقد كانت الكلمة النابضة بالصدق والحقّ، دفاعاً عن وطنه، هي سياسته في الميدان، لا تُرهبه دول شتى معادية، ولا الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بظلمها وجبروتها، كما أرهبت أنصاف الرّجال وأرْباعَهم.. كان المعلّم “المعلّم” بحقّ وحقيقة رجل المهام الصّعبة، رجل الدبلوماسية السورية الأوّل، وكان في الوقت عينه محارباً شجاعاً، فهو لم يرضخ لإملاءات الأعداء ولإغراءاتهم المادية التافهة، لأنّ الوطن بالنسبة إلى عقله المتنوّر كان ملء القلب والكيان والرّوح، ولا حيَدَة عن ذلك قيدَ شَعْرَة.. نمْ قرير العين أيّها الرّجل الكبير، فالانتصار قادم لا محالة!
رحمك الله أيّها المعلّم المحبوب، فسورية كلها تودّعك اليوم بدموع بلّوريّة متّشحة بلون الحزن وعصارة الألم و “إنّا لله وإنّا إليه راجعون”….
وجيه حسن