تحية الصباح ..اللغة العربية والحياة

 لسْتُ في معرض الحديث عن أهميّة اللغة العربيّة ، ولا عن ضرورة التزام من يقومون بتدريسها بالنطق السليم لها ، وقد تمَّ تشريع ذلك في قوانين ، كما سُن ّ بقرارات ملزمة وتعاميم مثلما تم ّ تشكيل لجان متابعة لتمكين اللغة العربية ، إلا أن أغلب تلك القوانين ظلّ حبيس أدراجه وجف الحبر على ورقه ولم يتم ّ تفعيلها مثل كثير من قوانين تنفع الناس ،  فلا أحد يعنيه نبش النافع المفيد ، فيما نجد التمسك بالضار الذي يبعد الإنسان عن متابعة مسيرته الحياتية ، وحقه في ممارسة نشاطه الإيجابي من أكثر التعليمات التي تظل عالقةً في َدوائرنا ومؤسساتنا .
    أقول هذا الكلام وأنا أسمع ما يدعو إلى أننا بحاجة ماسة لإعادة وعي وإدراك ضبابية الطريق الفكري الذي نسير فيه سواء أكان هذا السير عن قصد ، أو كان عفوياً ، فالنتيجة واحدة والمصير ذاته ،ما دفعني إلى هذا القول هو أنه  شاءت المصادفة أن أسمع حوارها مع جارتها ، وهي تقول ــ والزهو يملأ عينيها : انظري إلى ابني إنه لم يدخل سن المدرسة بعد،  ولكنه ينطق الألوان كلها باللغة الأجنبية هكذا قالتها ، ولم تحدد أية لغة  ، كما أنه يعد حتى العشرة باللغة الأجنبية هنا انتهى الحديث بين الجارتين ، وتابعت طريقي ، وأنا أعرف كم من هذه الأمثلة التي قد تصادفنا في حياتنا اليومية والسؤال المحزن لماذا تلاحقنا عقدة الخواجة ؟ ! والجواب بالتأكيد هو مركب النقص الذي نشعر به تجاه الآخر ،  وفي هذا الصدد يجيب العلامة ابن خلدون أن الأدنى يقلد الأعلى كما أن المغلوب يقلد الغالب في مأكله وملبسه ، وهذا النصر للغالب هو ما يُزيّنُ للمغلوب كلّ ما يقوم به الغالب من سلوكيات يحاول أن يقلدها المغلوب ، وبهذه العلة استعمِرَتِ الشعوب المتخلفة ، وإذا كنت بصدد الحديث عن اللغة العربية الفصيحة ، فإن من أخطر ما يواجه هذه اللغة هو هذا الوعي بعدم وعي المصير الذي يمكن أن تؤول إليه ليس اللغة وحسب ، بل الأمة كلها ــ على الرغم مما تعانيه ــ فعدم إدراك خطورة الواقع يعني ضياع الأفق المستقبلي ، وضبابية الرؤيا اليوم هي نتيجة حتمية ستوصل إلى عمى الغد ، وأمامنا ما نرى كل يوم من حجم مؤامرات ربما لا تريد الحجر ، وما في خيرات الأرض العربية من كنوز دفينة بقدر ما تسعى إلى تدمير بنية الوعي ، وتسطيح الفكر العربي في كل ما هو آني وعابر وهامشي ، فيما تقوم في الوقت نفسه على تدمير ما تبقى من تراث فكري صحيح ، ومن يتابع  الفضائيات يلحظ مثل هذا التوجه وكم من مدّعٍ الفصاحة يتشدق بعاميته وبين اللحظة والأخرى يأتيك بلفظة أجنبية ، وكأن العربية ضاقت عن استيعاب هذا اللفظ ليتحفنا بلفظه الأجنبي،  وهكذا تبدو الدائرة تضيق كل يوم على عقول أبنائنا الذين أصبحوا محاصرين باللهجات واللغات الأخرى في كل مكان انطلاقاً من  البيت وحتى في المدرسة والجامعة وهما يفترض أن ينهضا بهذا الدور ،  وإذا كنا  بصدد الاحتفاء باللغة العربية قريباً فلماذا لا تتم معالجة حقيقية  لكل ما هو شاذ وغير طبيعي في مجتمعنا ــ وشوارعنا وأن تنشط اللجان المعنية بمتابعة أهم عناصر وجود الهوية والانتماء ــ فاللغة هي الذاكرة وهي التاريخ ، ولعله من أبسط الأشياء أن يتم ّ إلغاء جميع تسميات المحال بلغة غير اللغة العربية ، وهو أضعف الإيمان ، فما أكثر المحال التي أصبحت تخرب الذوق في تسمياتها وإعلاناتها ، إنه زمن المتناقضات الذي حسر دور المؤسسات الثقافية ، ومدَّ دور مؤسسات الفن الهابط ، ويكفينا دليلاً على ذلك أن نشير إلى أن الدنيا تقوم وتقعد لمؤدٍّ يغني في برنامج تلفازي بينما لا تتحرك  قشة في الأرض لموت مفكر ، أو ظهور شاعر حقيقي ،  وحسبنا بعدد الجمهور ممن يتابع نشاطاً ثقافياً ، وآخر يتابع مغنياً من هذا الواقع. 

د.وليد العرفي

المزيد...
آخر الأخبار
التعليم العالي تمدد فترة قبول طلبات مفاضلتي الطبية الموحدة والدراسات ‏العليا لغاية 12 الشهر الجاري ‏ وزير الإعلام: آلاف الحسابات الوهمية تنشر معلومات مضللة لتعزيز الاستقطاب ولمواجهتها علينا تبني خطاب ع... وزير الطاقة التركي: من المخطط تصدير 6 ملايين متر مكعب من الغاز الطبيعي يومياً لسوريا الاتحاد الأوروبي يرحب باقتراح ماكرون تخفيف العقوبات عن سوريا مخبز شين ينتج 7 آلاف ربطة خبز يوميا المركزي يلزم المصارف بتمكين المودعين بعد 7 أيار العام الجاري من السحب من حساباتهم دون سقف محدد وزير الإعلام يؤكد الرفض التام لاستخدام حرم الجامعات منصة للتجييش الطائفي وتهديد السلم الأهلي مجلس المدينة ينفذ مشاريع تزفيت وإنارة الشوارع وصيانة الشوايات المطرية وزير الإعلام يبحث مع وفد من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا ‏تعزيز التعاون في المجال الإعلامي وزير العدل يبحث مع الصندوق العالمي للناجين سبل التعاون وتقديم الدعم ‏التقني والخدمي في المجال القضائ...