هو ذا شعار مهرجان وزارة الثقافة السورية للموسم الثقافي الحالي، الذي أطلقته الوزارة منذ أيام، عن وعي وإدراك تامّين، بأنّ الهُويّة الحقيقية لأيّ شعب حيّ، تتجسّد في السّعي الدّؤوب نحو الارتقاء الفكري والعقلي والثقافي والإنساني، الشعب الذي يعمل بلا كلل أو ملل على تطوير نفسه من الدّاخل، ليلحق بركب الدول المتقدّمة، التي بلغت شَأواً عالياً في معارج العلم والثقافة والتّصنيع والإبداع والابتكار، لأنّها آمنت/ وتؤمن عن وعيٍ مُتجذّر عميق، أنّ التّنوير الحقيقي لأيّ فرد أو لأيّة أمة، (يجيءُ من الدّاخل، أو لا يجيء)، المقصود بـ “الدّاخل” هنا، أي “العقل”، وأنّ تقدّمَ أيّة أمّة من الأمم، في هذا العالَم المُتراحِب، لا يتأتّى لها، ولا يتحقّق وجوده، إلّا بالأخذ بأسباب الثقافة الحقّة، ووضعها مع الفِكْر المُنفتح في سُلّم الأوّليات.. وما هذا المهرجان الثقافي المُقامة فعالياتُه اليوم، على امتداد رقعة التراب السوري، سوى تجسيدٍ حيّ لما قامت به الوزارة مشكورة، وما تقوم به حالياً، حيث الأعراس الثقافية، تنشر خيامها ومَفارِيحَها في هذه المحافظة وتلك، فهناك معارض لبيع الكتب الصادرة عن (الهيئة العامة السورية للكتاب)، هذه “الهيئة” الموقرة التابعة للوزارة، تسعى بكلّ ما تملك من إرادة وتصميم مشهودَين، على نشر الثقافة العامّة بين فئات الجمهور كافّة، بوساطة توفير معارض الكتب وانتشارها وبيعها، بحيث وصلت قيمة الحسم في بيع الكتب لنحو 60 بالمئة، وهذا مؤشّر مهمّ، بأنّ الوزارة ، تسعى ما وسعها السّعي والجهد لتوفير “الخبز الثقافي” لعموم الجمهور، لأنّها بعملها المثمر هذا، إنّما تُجسّد قولَ السيّد المسيح: “ليسَ بالخبزِ وحدَهُ يحيَا الإنسان”، إضافة لما تقوم به من تشجيع ودعم الأعمال المسرحيّة والمسرحيين، والفنانين التشكيليين، وتشجيع الفرق الغنائيّة، التي تعرض أعمالها أمام النظّارة والمستمعين، ليزرعوا الفرحة في النفوس، وليعملوا على تكريس بعض السّلوكات الحميدة في القلوب والعقول بآنٍ..
* * *
نعم المثقفون يتعبُون، والكتّاب والأدباء يتعبُون، والمسرحيّون يتعبُون، والفنّانون يتعبُون، والمخرجون والملحّنون يتعبُون، وهذا التّعب البادِي لدى هؤلاء وسواهم، يأتي حصيدُه في الأعمّ الأغلب فرحاً وقمحاً وحياة لدى الجمهور المتابِع/ القارىء! نعم وبكلّ توكيد، ألم يتعب كبار كتّابنا وأدبائنا، وكبار شعرائنا ومفكّرينا، وكبار مخرجينا وفنّانينا والملحنين، وهم يقدّمون لجمهورهم المثابر عصارة مجهوداتهم الأدبية والفنية والثقافية، خدمة لأبناء وطنهم، لأنّهم – حسب منطوقهم – حَمَلَة رسالة تنويريّة بامتياز، ولأنّهم أهلُ أمانة، ورجالُ موقف؟
* * *
ومادام الشّيء بالشّيء يُذكَر، ألم يكن الكاتب الكبير “تشارلز ديكنز” – وهو من مشاهير القصصيين الإنجليز – مبدعاً في وصف حياة البسطاء والأولاد البائِسين المُبتئِسين، الذي كاد أنْ يقتل نفسه من الإجهاد والتّعب؟! ففي سنة واحدة كتب ثلاث روايات، وحرّر مجلّة، وفي أوقات فراغه أنتج تمثيلية غنائيّة، ورواية ساخرة، وفي الأمسيات، كان “ديكنز” شعلة حيّة في المجتمع، ولكنّ مجتمعه المفضّل، الأثير إلى قلبه، كان ينحصر في الاجتماع إلى جمهرة المثقّفين العقلاء، لأنّهم حسب تعبيره وقناعته “مِلحُ الأرض”، وقد قال ذات مرّة: “أنا أكتب للنّوع الإنسانيّ فقط”!!
* * *
والمثقّفون الحقيقيّون لا المزيّفون، يعرفون أنّ للقراءة دوراً هامّاً في تنمية الفكر، وتثقيف الذّات، وإغناء الوجدان، وإخصاب الخيال، وإشباع حاجات الفرد النفسيّة، من حيث إشباع حاجته في الاعتماد على نفسه أوّلاً، وذلك بتحصيل المعرفة والاكتشاف، ومعرفة عوالم كانت مجهولة أمام ناظريه، وحقائق لم تكن معلومة لديه.. وينبغي ألّا ننسَى أو نتناسَى، أنّ القراءة تساعد الفرد على التكيّف في مواجهة الصّراعات، والتّنفيس عن بعض الضّغوطات التي يعانيها، فضلاً عنْ دورها في الإفادة من أوقات الفراغ، والاستمتاع بها، حيث تُعدّ القراءة واحدة من الهوايات الماتِعة للفرد، لأنّ في القراءة شعوراً بالحُبور والانشراح، فهي تنقله من آفاق ضيّقة محدودة، إلى آفاق ضافِيَة/ رَحْبَة، وعندما تُشبِع المطالعة حاجات الفرد النفسيّة، وتُشبِع ميوله ورغباته واهتماماته، وتلبّي حاجاته، فإنه يجد فيها متعة وأيّة متعة، واستقراراً نفسيّاً أيّ استقرار!!
* * *
ومن أسفٍ القولُ هنا: (إنّ الثقافة العربية الرّاهنة ثقافة مُنعزِلة، مُنقطع بعضها عن بعضها الآخر، وكما الحدود تنتصبُ بين قطر وقطر، كذلك بين ثقافة وثقافة، ثمّ تدريجياً، تنشأ ثقافات قُطرِيّة مُنكمِشة مُنكفِئة على ذاتها، مُنفصِلة عن الثقافات العربية – الأمّ)…
* وجيه حسن