تحية الصباح … نبالة قدم صافية

دوي رهيب حصل عندما كنت طفلاً في السادسة من عمري , لم أدرك ما الذي حدث في السادس من تشرين.. كنت حينها ألعب على نهر العاصي .. حين حملني  أحد الرجال واختبأ بي بين دغلات الأشجار على ضفة النهر … في حين كانت الطائرات الإسرائيلية تسقط كالذباب تحت وابل المدفعية والصواريخ السورية .. أمام عيني .. وحدثت معركة حقيقية كما كنا نرسمها على الورق .. وبعد نصف ساعة كان أهل قريتي يتراكضون باتجاه نهر العاصي .. و يعبرونه هرباً من الدمار والنيران التي التهمت طمأنينة الناس .. ولم أدرك بعد قليل إلا وأمي تعانقني وتحملني وهي تبكي .. ومن خلال خوفنا ورعبنا لمحت امرأة عجوزاً تركض باتجاهنا عابرة الأرض الوعرة الممتدة من أوتستراد طريق طرابلس باتجاهنا .. كان لهاث هذه المرأة يزداد كلما اقتربت منا ..

ثم فوجئت ونحن نختبىء بين الأشجار أنها جدتي لأمي .. وقد جاءت راكضة حافية فوق الإسفلت الحار .. فقد هرعت خائفة من حي الأرمن الشرقي , وجاءت راكضة لمسافة خمسة عشر كيلو متراً حين شاهدت الانفجارات .. لم يكن رعبي حينها من الحرب بقدر رعبي من مشهد قدمي جدتي النازفتين المخضبتين بالدماء جراء الجراح والأشواك المغروزة بقدميها العاريتين .. كانت تتأملنا باكية وهي تسألنا : هل أصابكم مكروه ؟! حينها نظرت أمي إلى قدميها النازفتين وسألتها ودموعها تنهمر : جئت حافية ؟! حينها نظرت جدتي إلى قدميها .. ولم تنتبه , أو تأبه لقدميها ثم احتضنتني  وقالت : لا يهم ما حدث لقدمي .. المهم أن تكونوا بخير.. ولكن لم أتوقع أن يتكرر رعبي منذ ذلك الوقت .. ولكن بشكل آخر .. فحرب تشرين علمتني درساً لن أنسأه في حياتي , علمتني أن الكيان الإسرائيلي  المتغطرس   هو حقاً أوهن من بيت العنكبوت , وأن الانتصار عليه سهل ولكن أين المشكلة ؟!

ولكن ما أنساني رعبي ذاك هو غرابتي من بعض البرامج المصرية( أقول بعض البرامج وليس جميعها)  التي تتغنى بانتصارات المصريين فقط في هذه الحرب الخالدة .. فأنا أتابع وبالصدفة بعض القنوات المصرية التي تعرض كيف اقتحم الجيش المصري خطوط العدو الإسرائيلي  في حرب تشرين .. ويعرضون بطولات الجيش المصري آنذاك .. دون الإشارة إلى بطولات وتضحيات الجيش العربي  السوري .. يكاد الغيظ يحرقني كما حرقت نيران الحرب بيوتنا آنذاك …وأتوجه لهؤلاء الناس من إعلاميين وسياسيين مصريين وأقول لهم: . بالله عليكم كفاكم سفاسف وكذب ونفاق … فالسادات أول من ركع أمام الكيان الإسرائيلي  …. إن التاريخ أيها الأخوة المصريين  يشبه الرمح .. أو السهم .. لايهتم بمؤخرته .. بل  الأهمية برأسه .. لأن الرأس هو الذي يقتل .. وهو الذي يفتك فأرجوكم توقفوا عن هذه السفسطة وهذه الادعاءات .. فما نفع أن ننتصر في معركة , ثم نصافح عدونا فيما بعد ونهرول لنركع ونزحف أمامه .. فبعد اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس السادات مع الكيان الإسرائيلي…. حرم الكيان الصهيوني على مصر زراعة القمح والقطن .. لتتحول مصر إلى مزرعة قاحلة صهيونية .. ومع ذلك يخرج الرئيس المصري ” السيسي ” وهو يصافح الرئيس الأمريكي والإسرائيلي .. ويتغنى ببطولات الجيش المصري(فقط ) في حرب تشرين التحريرية …هل تعرفون أين كان ( السيسي) في حرب تشرين ؟! كان عبارة عن شخص  يعلمونه .. ويدربونه على تعاليم الماسونية الصهيونية وهذا الكلام ليس من باب التهجم أو التهكم أو التلفيق .

هل تعرفون ياسادتي لماذا نسيت جدتي ارتداء حذائها عندما هرعت راكضة باتجاه قريتي ؟!

لقد كانت جدتي تعلم أن حذاءها سيذكرها بشوارب بعض الأمراء  العرب الراكعين أمام العدو الإسرائيلي .. ولهذا فضلت ألا تنتعل وجوه الخونة الذين نسوا دماء الشهداء في حرب تشرين العظيمة..!!

د. نصر مشعل

المزيد...
آخر الأخبار