حياة الإنسان فرداً , و سلالة بشرية ضروب من القصص , وتاريخ وحاضر ومستقبل من ديمومة ذلك . والقصة حيث الإنسان , و حيواته الناجزة تشاغلاً وانشغالاً في دروب الحياة وصعدها المختلفة ضمن تماهيه فيها , ومعطى انزياحاتها في كثير من صروف وظروف , ومدى قدرات الإنسان في خلالها التكيف أو الانكماش و الضمور حيال تحدياتها و تقييد آماله فيها , وانعتاقه منها عبر المزيد من تكثيف الجهود , وإعمال العقل , واستزادة التفكير , وغنى التجربة , واتساع الرؤى , وسعة التصورات , جامعا بين حيوية في أداء , واتقاد ذهن في نبوغ , ومقدرة على استشراف ضمن ذكاءات تعزز عمره العقلي تجاوزا لعمر زمني ليغدو بذلك صيرورة مجتهد في إبداع قصته … تلك ((القصة )) أو القصص , هي ظله في وارفات دروبه ضمن حيثيات تفاصيل كينونته , مابين اصطلاء في وجدان , وحميّة في عاطفة , ورهافة في إحساس , ومكين أفكار في سمو تمثّلها وعيا معرفيا , ونهوضا منطقيا عبر مؤشرات أداء , هي حياكة نسج في مطارف كل وشي مطرز لسداد محاكمة , زادها إعمال للفكر عبر مستوياته العليا . يضاف إلى ذلك واقع إبداع في قيم مضافة , هي نتاجات وإنتاج يتماوج كل منهما عبر كل غنى وإثراء في رحاب بذرة لقصة , أو فكرة , أو حوار أو تعبير .
هذا التعبير الذي يجيش به الخاطر على مواقد جُذاً من مشاعر يفيض بها الوجدان و أفكار يتسع بها العقل على مطالع كل إشراق حيث مغانم الفرح المزدان بالنباهة , وسعادة المعرفة منذ القِدم , و لاسيما في كتب التراث توقف بعضهم من مثل (( القلقشندي)) معبرا عن الفرق بين التعبير , وبين الإنشاء ليؤكد أن التعبير أمر موضوعي , والإنشاء أمر ذاتي .
وعلى الرغم من تمايز الأمرين, فإن المقام مَخْرجا يفضي إلى بلاغة في شمولية تداخل مابين الذاتي و الموضوعي . فمهما يكن الأمر ذاتيا فإنه موضوعي في النهاية والعكس صحيح لأن المرء ليس جزيرة منعزلة في ذاته وإنما هو حيز اندماج في /أرخبيل/ الحياة .. الحياة الإنسانية. . إنها القصة عبر تعاقب الحضارات رحلة الإنسان . ولعل حكايات وقصص ((إيْسُوب)) الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد تعجُّ حكاياته بكثير من خبرات حياتية وتنتهي كل واحدة بمغزى أخلاقي . وهذا دليل على حراك الإنسان والحياة معا , وتفاعل المرء فيها ما بين مدّ و جذر . تلك الحكايات ((لإيسوب)) الذي اختلف الدارسون حوله , أهو شخصية خرافية أم شبه خرافية أم حقيقية ؟ إنما بنتاجاته فقد اكتنزه الأدب بعداً إبداعيا تعاقب عصور من خلال هاتيك الحكايات . هي القصة .. القصص , وكل الفنون التي تدور في هذا الحقل المعجمي من اشتقاقات هذا الفن . هي سردية الإنسان مابين مبدع يكتب , وخبرات وتجارب وغير ذلك , ومابين إنسان متلق أيضا ضمن مدارات لغة الحياة وسمو حضورها في قيم روحية إلى يومنا هذا عبر نتاجات يصوغها المبدعون ضمن العائلة البشرية بما تحمل تلك النتاجات من متعة وفائدة وتعبير عن الذات وسعة الحياة في موضوعيتها . هي ((القصة)) في تقانة النقّال التواصلي جماليةَ الحضور في محاكاة الذات صدى لمرايا النفس , وقناعات التفكير و ورهافة التذوّق , وثراء التأمّل , وغنى الإعجاب , وإطلالة الذات عبرها تواصلا ما بين خاص وعام في مشهدية التعبير عن الحضور في ما تختزنه تلك القصة . أو بما تضمره من إنشاء ذاتيّ في ما يريد قوله عبر القصة . وبكلا الأمرين إخبار و إعلام , وعلى سرح المدى واحة شجن وسعادة تفكير .. واحة ما بين ثنائية وجدان ومكين تفكّر وتفكير يتراءى كل منهما زهو حروف في الشعر أو في النثر أو ألوان أو غناء أو كلمات أو لوحة تعبر وتحاكي الذات والإنسان والحياة . تلك ((القصة)) بها يكون التواصل فالمرسل قصته استحضرت ما بخاطره , والمتلقي اجتهد بتناصه الذاتي والموضوعي من خلال (القصة) لتصير آلية التواصل وعي حضور على مسرح التقانة و/برمجيات/ النقّال التواصلي ثقافة قصة .. قصص نقرؤها ونشاهدها , فنكتبها ونسمعها .. فنقرأ ونشاهد ذواتَنا .. هي القصة هي نحن ضمن فضاء الحضور الإنساني الرحب مابين دمعة وابتسامة.
نزار بدّور