حيثما كرّ بنا البصر , في مهاد سفوح وساحات من قراطيس , جادت بها قرائح المبدعين , واستنبتها حراك حاضر في تفاصيل حياة سرعان ما تفيض البصيرة بكل ألق رقشه المداد .
و إذا ما صعدنا قبة الدنيا بخيال وثاب , ورحنا نتفحص عوالم السابقات عصوراً والحاضرات عقوداً , فإننا واجدون عبر مرايا العقل , وفساحة الوجدان الكثيرة من فيض الإبداع لثقافة لغة , وعبقريات مبدعين , وجماليات أنساق نحوية وصرفية و إملائية ولسانية ودلالية تتقد جذوة بريق أخاذ يسابق وميضه سعة كل تفكير , وحيوية كل ابتكار لتأتي اللغة , واقعاً , بذار العقل المبدع , ونبوغ الألمعي في عشق اللغة تماهياً مع فرح المعرفة عبر آفاق مثاقفتها أنساقاً وخصَائص َ وسمات ٍ .
إنها لغتنا العربية الحاضرة صرح فكر وتفكير وحضور كل تجدد في ثنايا كل تقدم ونباهة تطور تنفح بكل سيولة ذهنية تنهض بها حيثيات الإحساس ومطالع الضوء المشرق من خدر الأصالة , وهو يمتد شذرات إلى حيث كل بوح ما بين لغة مثالية تواصلية , ولغة إبلاغية بلاغية تنبض بإرادة العقل والوجدان معاً .
إنها لغتنا العربية صداح الحرف من نقوش الأحجار إلى بث الأقمار . هذا الحرف الناجز قيمة تعبيرية وصوتاً جمالياً . فاللغة أصوات في عراقة التوصيف منذ \ ابن جني \ في خصائصه إلى ارتعاش كل وتر تحاكيه قافية , وينطق به روي لتأتي الحروف عند علمائنا ما بين سائلة كالراء واللام وهامسة كالسين وغيرها وجهرية في منظومة حروف هي أنساق ولتأتي كلمات مفعمة بالحيوية قوتها في دلالتها فالحور شدة بياض وسواد , والدعجاء عيناً شدة الشدة في السواد وشدة الشدة في البياض وكليهما في لحاظ النظرات “يصرعن ذا اللب ” وفي معطى مكين النفس في أعماق خاطرها يكون الحرف مرتكز دلالة كما القاف عند \ ابن زيدون \ .. ” ووجه الأرض قد راقا ” فالشاعر على قلق كأن الريح تحته جمال يوم من غير لقيا , فتراه يتوكأ على القاف متاعب نفس أضناها بعاد ولتأتي كلمات مضمخة بعبق الحيوية عبر حقول معجمية تقارب بعضها بعضاً هي جواهر صوغ من ألفاظ وفي دلالاتها المعجمية والسياقية تقول ما يزيد الصوغ صوغاً سعادة حال بظله صنو تعبير إلى تعبير .
إنها لغتنا العربية متسع كل إبداع وتفكير استيعاباً لكل عبقرية ومثاقفة لكل حضارة , فتراها تكتنز حضورها في نسيج كل واحدة منها مفردات ووعياً وتتسع بذاتها أنساقاً واشتقاقات لتنهض بعلومها من غير أن يدانيها قصور أكان في معرب أو دخيل أو سعة عولمة ومعطيات تقانة تجود بها حيثيات التدفق المعرفي أو مرتسمات الحتمية التكنولوجية في دنيا الألياف الضوئية والأقمار الصناعية , وغيرها من آفاق هي على شفاه الحاضر واستشرافات المستقبل في كل علم وفن وعبقرية و إبداع أياً كانت مجالات ذلك وعلى أي صعيد من جنبات الفكر والحياة .
إنها لغتنا العربية الهوية والانتماء في علومها وقيمها السامية واستبطانها لكل جانب يحاكي حراك الحياة وفساحة كل تصور , وعراقة كل أمر يحمل مكرمات نهوض الأمة وواقعها و أيامها الخالدات , ومواطن كل عز وفخار بما يؤكد كل إنتاج ورقي كل نتاج سعة حضور لعلماء في كل ميدان وبطولات في كل ساح , و أمجاد في مجالس الفكر و آفاق كل تمدن في عوالم من رحابة واقع معيش عبر مثاقفة لكل الحضارات .
إنها لغتنا العربية , لغة المحبة والتسامح وحذاقة الحرف , ونبوغ الإرادة المقاومة وشهامة التفكير الوثاب في كل وشي مطرز تصوغه الحياة إبداعاً وواقعاً تطبيقياً .
إنها واسطة العقد على جيد ممراح يضج بالحياة سعادة معرفة وتألق حضور وانتماء .
إنها لغتنا العربية سمو اللسان في مكارم قيمنا السامية وشدو أنداء الغمام تعطر براءة الطفولة أناشيد فرح صوب الحياة , ودوي الصوت على شفاه فتوة الشباب حيث المستقبل المشرق , واكتناز وعي الحكمة في كينونة الرجال .
يالروعتها لغة الآباء و الأجداد والعقل الحصيف تعاقب عصور وأجيال ما بين أزل و أبد , وهي مزهوة بأبنائها حيث الحياة .
إنها لغتنا العربية أمانة الآباء في ذمم الأبناء تعليماً وتعلماً ما بين ثقافة لغة وجماليات إحساس بسماتها وثراء مفرداتها وتماهيها مع أبنائها تكامل ثقافة مع كل اجتهاد في مهارة لا تكتفي بمثاقفتها حفظاً لقواعدها و أنساقها وأساليبها فحسب بل تورق بنبوغ أبنائها في كل ابتكار وإبداع يطرق أبواب الحياة في كل علوم نظرية وتطبيقية وحوامل أخرى موضوعية تقولها التقانة .
إن لغتنا العربية فيض لبنات تعمر مداميك في صروح كل تفكير وتميّز كل إبداع وواقع كل جانب وصعيد . ومناهجنا المدرسية غنى خبرات ومهارات , وثراء علوم ومعارف وكذلك في وقار خطابنا الرسمي ومؤسساتنا توكيداً لمكانتها وتعزيزاً لأهميتها و إن التمكين لها مسؤولية الجميع في جانبها الوظيفي استخداماً وفي غناها الجمالي بما يحاكي العقل والوجدان وثوابت الأمة واللغة في عراقة أصالة كل منهما حيث إن لغتنا العربية هي هويتنا وانتماؤنا وفيض التعبير عن وجودنا فلغتي عالمي ولغتنا العربية عالمنا الوجودي .
نزار بدّور