تحية الصباح… ابتسمتُ.. لأنّهم سُعَداء!

 في البدء.. آهٍ كم الأرض ضجِرة من غياب المطر! وآهٍ كم نحن ضجِرون من غياب الابتسامة، ونحن نعيش اليوم أزمات شتّى، ومواجع متفرّقة؟! السؤال مُفادُه: هل نحن سُعداء حقاً، بسبب ما وصلْنا إليه من ضنك وضيق؟ الجواب بكلّ صدق مع الذات: لا.. السؤال الآخر: ألم تضعنا أمريكا دولة الشرّ والإجرام و”الكاوبوي” في هذا النّفق الضيّق؟ وسؤالٌ مُوالٍ: ألا تمارس ضدّ أطفالنا، وضدّ شعبنا بعامّة، وضدّ أشجارنا ومزارعنا وحقولنا وثرواتنا وسمائنا وأرضنا ما تمارسه راهناً من عنجهيّة دنيئة بغضاء؟ فقد باتت تحاربنا حتى في لقمة خبزنا، وحليب أطفالنا، وحبّة الدّواء؟ ناهيك عن ضغط بعضنا على البعض الآخر غفلة منّا، أو منْ دون غفلة، ونحن نرى رؤية البصر والبصيرة، كيف يتذأّبُ علينا تجّار الأزمات، فترتفع الأسعار، وتنخفض الأعمار، إضافة إلى مَنْ يعملون  بسياسة: “مِنْ أينَ تُؤكَل الكتِف، ومِنْ أينَ تُنهَش، ومِنْ أينَ تُعَضّ”؟!

الحقَّ: ابتسمتُ في سرّي فعلاً، ليس تشفّياً من أحدٍ والعياذ بالله، لأنّ هذا ليس من شِيَمي ومبادئي، وليس لأنّ شرائح متعدّدة من عامّة الشعب، قد دخلت قسوة البؤس والمعاناة رغماً عن أنوفها وأطوالها، بل لأنّ المثل يقول “شرُّ البَليّةِ ما يُضْحِك”! فقد وصلت بَلْوى ارتفاع الأسعار الجنونيّة، بكلّ توكيد، إلى عُقْر قلوبنا وأرواحنا وخشب موائدنا، وفضاءات ثلاجاتنا البيتية، وإلى مخدّات نومنا، وأسِرّة أحلامنا، تلك التي أضحت اليوم متّشحة بالهمّ والغمّ، ونحن نحسب مقدار الرّاتب الشهري، الذي بِتنا نرأف بحاله وحالته معاً، كيف سيتدبّر أمر عائلة مؤلفة من زوج وزوجة فقط، والاثنان موظفان حكوميان؟ فما بالكم بمصروف عائلة مؤلفة من زوج وزوجة، وعندهما نصف “دَرْزَن”، أو نصف “دزّينة” من البنين والبنات، اللهمّ لا حسد؟ 

نعم، مَنْ منّا ليس سعيداً في هذه الأيام العصِيبة، (الضاحِكة – الباكِية)، وهو يكتوي بنيران الأسعار على لهبها ولظاها، تلك النيران التي أفرغت الجيوب، وأحرقت القلوب بآنٍ، ومع كلّ هذا وذاك، فلا تزال افترارة الثّغر، وبياض الأسنان، ينشران الظلال السّعيدة هنا وهناك، “فالطيرُ يرقصُ مذبُوحَاً من الألمِ”!

 على مقلبٍ آخر، مَنْ منّا – أعني الآباء والأمّهات – ليس متفائلاً ومسروراً بما يتلقّاه أبناؤنا في المدارس الرسميّة، التي أغلق عددٌ منها أبوابه تماماً بحجة الخوف من انتشار جائحة “كورونا”، ونحن لمَّا نزل في الثلث الأوّل من العام الدراسي الحالي؟ السؤال: هل أنجز معلّمونا ، وأساتذتنا الأفاضل المنهاج المقرّر لكلّ مادّة على حِدَة، استعداداً لخوض معركة الامتحانات؟ أم أنهم اكتفوا بإعطاء هذه الدروس القليلة لطلابهم، و”يا دار ما دَخَلِك شَرّ”، هذا الأمر يسيء إلى الطلاب “الأمانة”، الذين ينبغي الاهتمام بهم، وتقديم عصائر العلم والإبداع لهم، من دون التفريق بين زيد وعمْرو، وليلى وسُعدى،  فكلّنا أبناء وطن واحد، وأولاد تسعة الأشهر، كما تقول الوقائع..

 قال لي وهو الجار القريب، الطالب بالصف الحادي عشر/ العلمي، والابتسامة العريضة / المريضة، ما تفتأ تستوطن وجهه الأسمر النّضير:

  • اليوم يا أستاذ بتاريخ 10 – 12 انقطعنا عن المدرسة نهائيّاً، ولن نعود إليها إلا في امتحانات الفصل الأول ، كما أشار إلينا مدير المدرسة بعظمةِ لسانه، برغم أنّنا لم نصل في دروسنا بعدُ إلى ربع المنهاج، فإلى ذلك الوقت المحدّد، سيكون أمامي وأمام زملائي الطلبة المزيد من اللهو والعبث وزيارة الأصدقاء والتسكّع في الأسواق والشوارع والأحياء، وحضور مباريات كرة القدم، والدخول إلى المقاهي لتناول “الشِّيْشَة”، أو “النّارْجِيلة” على تسمية البعض، وهي أمور تُدخِل طيور الفرح إلى النفوس، كما أنّ هذا العجاج المتطاير من الدخان المُعسّل في سماء المقهى، وفضائها الداخلي المُضِبّ، الساقط على رؤوس المرتادين من الجنسين، يزرع الانتعاش في النفوس، ويطرد فيروس “كورونا” اللعين، بل ويقضي على هذا الوباء الوافد، الذي يريد لنا “التّباعد الاجتماعي”، وليس “التّواصل الاجتماعي”، ومع ذلك فمقاهينا اليوم، في أعمّها الأغلب، تغصّ بالزّبائن، شباباً وصبايا، وهم في كامل أناقتهم وانتشائهم، يتلذذون بتعاطي النّرجيلة، وإلى جوارها فنجان القهوة، أو كوب الشاي، أو إبريق “المتّة” مع مستلزماتها المعروفة..

وهذا كافٍ، وللقرّاء من الجنسين “تحيّة الصباح”..    

وجيه حسن

المزيد...
آخر الأخبار