هناك تحدٍ كبير ، يواجه ما يسمى حضارة الورق ، وتتمثل بالكتاب والمجلة والصحيفة وهي المصدر الرئيسي لكافة المعارف الإنسانية حيث كانت منذ اكتشاف فن الطباعة على يد الألماني ( جو تنبرج ) في أوائل القرن الثاني عشر الحضن الدافئ للمحافظة عليها من النسيان وكانت حتى وقت قريب المرجع الرئيسي والأساسي للمعرفة ، ولكن مع تفجر ينابيع الإبداع والمعلومات ، تعددت المصادر ، وتطورت إمكانات الحفظ والاسترجاع ، وأصبح على الكتّاب والمفكرين الذين دخلوا القرن الواحد والعشرين أن يبحثوا عن وسائل أخرى غير الورق الذي ألفوه طويلاً وهنا علينا أن نذكر التوقف للعديد من الصحف والمجلات عن الصدور .
إن لكل مجموعة من قرون الزمن كلمته السحرية … كلمة هي المفتاح الذي يكشف عن عوامل التقدم والتطور ، فكلمة القرون القديمة هي ( النار ) وكلمة القرون الوسطى هي ( السلاح ) ، وكلمة العصر الحديث هي ( العلم ) ، وكلمة القرون القادمة كلها هي ( المعلومات ) لما تستتبعه هذه الكلمة من أجهزة الكومبيوتر المختلفة التي أصبحت العصا السحرية للسنوات المقبلة ، حيث ستندثر حتماً حضارة الورق التي ستقف عاجزة عن استيعاب التدفق الهائل لسيل المعلومات والفيضان الكثيف لأودية المعرفة التي ستنسف في هجتمها الحميمة كافة الحواجز والسدود التقليدية .
في أوائل القرن العشرين كان عدد سكان الوطن العربي حوالي سبعين مليون نسمة ، أما الآن ونحن في القرن الواحد والعشرين فإن العدد يكاد يقترب من خمسمئة مليون ، وكان عدد الكتاب والأدباء والفنانين والعلماء العرب لا يعدو المئات ، أما الآن فمن الطبيعي أن يصبح عدد هؤلاء بالآلاف ، وأمام هذا الحشد الهائل من الأفراد الموهوبين العرب ( وهي ظاهرة صحية ) وما يحملونه من أفكار وصور وآراء ومعلومات فإن ورق الأرض قاطبة لا يستطيع استيعاب وحفظ هذه الاكتشافات الفكرية الجديدة .
لقد باتت الحاجة ملحةً لإيجاد حواضن جديدة للحفظ المعرفي والتخزين المعلوماتي, وإن مواجهة عصر المعلومات الجديد ، يفرض حتماً أدوات أقوى من القلم والورقة ، فقضايا العالم الساخنة تلفح بوهجها كل الوجوه ، وتكوي بنارها كل القلوب وعلينا ألا ننسى الأبحاث العلمية المتوالية في الهندسة الوراثية وفنون السينما والتلفاز والحداثة وما بعد الحداثة ومن القصائد الملحمية إلى الروايات الجديدة ومن المذاهب الأدبية إلى المذاهب النقدية .
إن هذه الأطياف من الابتكارات التي تتباين في ارتفاعها وانحدارها بحاجة إلى مرايا محدبة تظهرها على حقيقتها ، وتنبّه إلى بناء مستويات فكرية جديدة تستوعبها وتحميها من الضياع بعد أن ضاقت بكرات الورق العملاقة عن القيام بهذه المهمة الخطيرة ، كما أن تجربة جريدة ( العروبة ) الالكترونية جديرة بالتأمل والاقتداء .
نزيه شاهين ضاحي