تحية الصباح .. لغتنا : الإنسان و الحضارة

نقش « النمارة » مَعْلَمٌ يزدهي في رحاب عراقة أزمنة , ودلالة صوى على مفارق تخوم معارف يرتادها باحثون , وتنشدها أبحاث في مقاربات حول بدايات العربية الفصحى لتأتي حكاية لذاك النقش لامرىء القيس ثاني ملوك الحيرة وقد وضع علامة ليكون مطرحاً من مطارح التأمل في تباشير لغة , وهي الماضية امتداداً أبعد و أبعد في أعماق الماضي لتمتد جذورها في تباريح كينونة الإنسان في ثنائية العقل والوجدان وفصاحة التعبير عنه جوهر حضور واتقاد مسار و إبداع .
هي  لغتنا شمولية جذور لأفعال ومرتسمات لأسماء وشرانق حرير لحروف  وكلمات وتراكيب و أدوات وعوالم من أنساق معجمية ودلالية ونحوية وصرفية ولسانية هي نضارة الطاقة الفعالة في تمثل الاشتقاق بأنواعه  و الإبداع في التعريب والترجمة وغنى الأساليب , وثراء الأنماط الكتابية عبر ما تمتلك في ماهيتها وجبلتها , وما يفيض من إدراك بنيوي لأبنائها عامة والمبدعين فيها علماً بأساسياتها ونبوغاً في استلاب كل جديد من أرحام غناها وقد كسيت بحلل قشيبة بثقافات مبدعين فجاءت لغة فيّاضة بإنساننا العربي فضاءً واسعاً من أزهارٍ تتفتح براعمها على ضفاف كل عبقرية وشدو عبر حروفها أصواتاً تختزن طاقات تعبيرية تتملّى بها المعاني ما بين صوغ في تعبير وتأمل في إدراك ووقع حرف على أوتار شغاف القلوب في محاكاة جانب من جوانب الحياة , ما اتسعت البصيرة في حوارها مع المدى على مشاجب الآفاق .
إنها لغتنا التاريخ والأصالة والعلوم بأنواعها و إرادة التحدي في مقارعة كل غازٍ ودخيل ومحاولات لعامية وتتريكٍ وفرنسة وتهويد عبر أصالتها ورادة فرسان الحرف في كل مجال , وهي الرابطة والانتماء والهوية  والقبس السامي في مكارم التنزيل الكريم تحصيناً لها وبلاغة يتنضّر الحرف أصورة في بلاغة إعجاز له التفكير مضمار كل سبق , و الإعمال فيه كل شرف في عظمة لغة وسحر بيان .
هي لغتنا وعي الحضارة لإنساننا تثاقف غنىً وتكامل حضارات وبراعة مهارات تنطق بالحياة عبر فِطَنٍ لمفهومات ومصطلحات , هي « حصون المعاني »  .
إنها الحاضرة في ديوان العرب وتاريخ الأمة وحاضرها ومستقبلها والطالعة شموخ انتصارات في مجالس الفكر وساحات الوغى , والمشرقة بمقطعات شعرية من حوليات وروميات و أرتقيات إلى « خالقة » ودمشق جبهة المجد ودجلة الخير ولحظ شآميات  و أخرى نثرية في كل مجال و   بطولات عبر حروف حاضرة في رؤوس حراب حيث تشرين المجد في مقارعة الغزاة , وكذا في كل انتصار , والناجزة لهفات تميس حروفاً تتهادى عبر أنفاس  العذارى في مواطن الوجد والشوق المعتق ما بين  الحنايا والضلوع والسارحة فرح حقول وبيادر ومنجزات على صقيل من حمية عربية أصيلة  في كرامة كل إبداع ما اتسعت الحياة , وامتد الزمن .
إنها لغتنا معنى وجودنا , ونبوغ حضورنا في استشراف جدل اللحظات , وانسراب الأنفاس في حيثيات كل تدبر ما بين رزانة عقل وسرح وجدان .
إنها لغتنا الحاضرة فينا والناهضة بنا استخداماً وظيفياً معارف مثقفة وخبرات معتقة متجددة أيضاً ومهارات لها التقانة مدخلاً والسَّعة عمقاً من خلال مطارحات فكرية تزهو اللغة بها وعياً مثقفاً وذهنية متفتحة معنى ولادتها المتجدد كامن امتداد تليد بطريف  .
هي تدعونا لتمثّلها وعياً بها مكانة و ألمعية فيها نضجاً سلوكياً وسطوعاً إبداعياً ابتكارياً عبر العمل بها وعليها واقع حياة في جوانب الحياة كلها أكان ذلك في جانبها المثالي التواصلي أم في جانبها الإبلاغي المجازي . هي في يوم لغتنا العالمي الثامن عشر من الشهر الثاني عشر , هي تعاقب لسانها عبر أبنائها معنى إدراك لقيمتها رسالة وجود في وعي لسان أمة تتقدم الأمم أيقونة على جبين الحضارة الإنسانية .
أجل « وتبقى اللغة شريكة ثدي الأم في إيضاح وعي الصغير وراعية المتعلم , وملهمة المبدع , وهادية المتلقي … » .

 

المزيد...
آخر الأخبار