في مواجهة، ماوصلتْ إليه أجيالنا الشابة، كثيرا ماتجري المقارنة بين هذه الأجيال وتلك التي سبقتْها، ولاسيّما فيما يتعلّق بهيبة المعلّم والمدرّس ، فقد كانت لهما هيبة في المدرسة، وفي الشارع، ودور في حياة مَن يعلّمون، وكم لجأ الآباء إلى (الأستاذ)، يشكون له، علانية أو خفية، فقد كان حضوره لايقلّ عن حضور الأب، بل قد يتفوّق عليه في العديد من النواحي.
كان مدرّب الفتوّة بصوت واحد منه يجعل الطلاّب المشاغبين في استجابة كاملة، وكانت هيبته تملأ النفوس، وما أدري، وقد أمضيت أكثر من أربعين سنة في هذه الوظيفة،.. ماأدري ما الحكمة من شطب مادّة تدريب الفتوّة من مدارسنا؟!! وما أدري ماالغاية التربويّة من إعطاء تلك الحصانة المُفزِعة للتلميذ حتى أن بعضهم يتصدّى للمعلّم حين يريد توجيهه في أمر غير لائق، فيقول لمعلّمه مامعناه:« إلزمْ حدّك، أنا أعرف حقوقي هَهْ»!! فما يكون أمام المعلّم إلاّ الانكفاء، وشحنات الأسى على ماحلّ بهذه المهنة تعليميّاً، وتربويّا.
أنا أفترض أنّ أحد (المُتَجَهْبذين) اطّلع على نظم التعليم في السويد مثلا، فنقلَها إلينا، دون أيّة مراعاة للفارق الثقافي، والاجتماعي، في البيت، وفي المجتمع، وأهمل حتى الجانب الغذائي المتوفّر، وهذا يدخل جذريّا في صميم العملية التربويّة التعليميّة، كما يدخل فيها عدد التلاميذ في الفصل، ففي بعض الفصول في البلدان المتقدّمة، كما سمعت، لايزيد عدد الطلاب عن ثمانية، وراتب المدرس أعلى راتب في الدولة، وقبل فترة قرأت أنّ الأطبّاء في ألمانيا، قد طالبوا بأن تكون رواتبهم مساوية لرواتب المعلّمين، فَلِيموا على ذلك، بمعنى أين أنتم من أولئك؟!!.. ذلك (المُتَجَهْبذ) أخذ مانقلَه، وقدّمه للجهة صاحبة الاختصاص، وما أظنّ أنّ الذين تحمّسوا له كانوا أكثر وعياً، ودراية بالمسائل المشار إليها آنفا، فصدر ماصدر، وكانت النتيجة هذه الأجيال التي لاتنتمي إلى عالم ( السويد)، بل إلى العالَم ( الأسود)،!!
في جميع الميادين ثمّة مسألة تجريبيّة، تُجرى، فإنّ كانت مُثمرة استمرّوا فيها، وإنْ .. لا ، عدّلوا فيها، أو عَدَلوا عنها، إلاّ عندنا فما هو السرّ في ذلك، رغم كلّ ماأثير من انتقادات في الصحف والإعلام،؟!!
بأذنيّ هاتين، على مافي السمْع من قصور، سمعتُ طالبا في شارع بيتنا ينادي أستاذه بصوت عرّضَه، تعبيرا عمّا هو فيه من انتباج وقلّة أدب، يناديه من بعيد ملوّحا له بيده:« مرحباًأستااااااذ»، فتغاضى الأستاذ عن ذلك (لينفد بريشه)، فامتلأت بالغضب والقهر والأسى.
مَن الذي أوصل مسألة التعليم من أدنى حلقاتها إلى أعلاها إلى هذا المستوى؟!!
ماذا يريد العدوّ، أيّ عدوّ منّا، أكثر من هذا التخريب؟!!
إنّ الكثير من الخراب يمكن تداركه بالإخلاص، والجدّ، ونظافة اليد، وبزمن قد يكون أقصر من المتوقّع حين تتوفّر الأسباب، والإرادة، ماعدا التعليم فقد يحتاج ماجرى فيه من تدمير إلى أزمنة نوعيّة، وحلول من نوع مُبتكَر، وإرادة حديد.
لاأزعم أنّ ماكنّا عليه هو ( الكمال) المطلوب، بيد أنّه لم يكن يحمل كلّ هذا الفلتان،
أقول لكلّ الجهات المسؤولة في هذا المجال، إنْ لم تكن المبادرات بحجم الصمود الذي حقّقه شعب هذا البلد، بمساندة مشكورة من أصدقائنا وحلفائنا، فذلك يعني، في أحسن الأحوال، أنّ زمن المراوحة سيطول..
عبد الكريم الناعم