يمدُّ المدى مداه , ما اتسعت مشهدية الرؤية بصراً , وناغى الوجدان حناياه سحائب من مشاعر و أحاسيس ترتعش في تفاصيل الرهافة أيما ارتعاشات من استبطان إدراكي جمالي , يسْتَعِرُ به الخيال , وتهدهده الروح , أنفاس ربا , تسترق لواعجها من فيض وجد , وسحر بهاء , ومناجاة وعي لبصيرة مكتنزة بأفانين الجمال صوب كل تأمل يبوح به الخاطر , ويستحثّه اتقاد كل إبداع , وهو في امتلاء ثنائية البصر والبصيرة يتنفس بواكير الفجر لكأنه المشيب يٌطرز فحمة الدياجي رويداً رويدا , وخِدْر الشمس أشعة خيوط مذهّبة تمرُّ بك والصباح له الفضاء الأرحب مطالع شدو لأطيار , وزمزمات لعصافير , واكتناز نسمات تلاطف ذوائب أماليد الأغصان وحراك الخطا وقع (( الصياصي في النسيج الممدد” دروباً , دروبا . هي الربوع تقارب عينيك حيث ترى فساحة مكان تحط رحلك فيه , وهي الربوع عراقة مكرمات أرض ذرّاتها , وقطرات مائها , وحيثيات تضاريسها أنفاس كل فخار عراقة وطن . في أصالة عصور في دهور ونبالة أمجاد في كينونة انتماء , وتماهي روح بجسد تعاقب أجيال وأجيال صميمية كينونة حدودها الفدى , وسمتها ثوابت نجيع التضحيات تثرى به مطالع الربوع , وفيها , وعليها سردية أزل و أبد غنى أهل وسمو قيم ونبوغ إرادة في صون الشهامات قصائد لها القوافي كل معتق في ديوان وفي فصل الخطاب كل قول يتشرّب الفعل واقع ربيع في سعادة الرؤى تعاضد قول على فعل يتجدد مطالع مطالع ليغدو الشروع واقعا سفر أمجاد وحكايات , ومساكب غنى في معاقل كل صرح , وسؤدد كل تطلّع يتشوّف الآفاق ربيع عمران وخير عطاء , ومتانة بنيان لا ترسمه الحروف كلمات على سطور فحسب , وإنما يرويه الزمان مَحْتَدَ ربيع يوقع مساكب من حدائق غنّاء . سُقْياها حبات عرق الحياة , وصنوّ الشغف النبيل في مرامي العلا حكمة ألق , سكناه الثريا ومدارجه مطارح العزائم فرح الربيع في الربوع , والربوع في شذاها عناق حميّة بجهد دوام عطاء ينفح بكل عبق , شروح التلول و الغدران وتلك المطرزات وَشْياً من حقول , الناهضات همما سعة مروج , والطالعات صوب العلا أطواداً لتتجذّر في مهاد العقل والوجدان نباهة حاضر صوب كل مدى , وسعادة كل سرح مشبع بالنسمات غنج شقاوة مابين بقايا صور من شتاء , برودة , وحفاوة دفء من ربيع , وعلى سفر من أجنحة ثمة أصوات لأطيار وغيرها لبعض أسراب تدبُّ في ما استنبتت الأرض فتدانيك الضفاف شدوَ خرير جداول , ويهزك معنى لعصفور بلله القطر , وتأخذك نشوة لأزهار مياسمها لثمتها حبات مطر فاهتزّت أعوادها , وقد داعبها النسيم لتتكامل اللوحة حياة بحياة فتشهق الأنفاس بوح منطوق . ياله من سحر وبهاء ! وعلى مطالع الفجر ووقع الدروب , و أناشيد الفن المتوهج ألمعية براعة في صوغ وتفرّد بأداء , ودهش في موسيقا , ولاسيما قصائد لأعلام في الفن , الفن الرسالة , يطالعك البحتري اغتباط فرح بالربيع شريطة وعي بوعي لكليهما ( أتاك الربيع الطّلق)… وكذا الأمر عند أبي تمام في خطاب لصاحبيه (( يا صاحبيَّ تقصّيا… )) وفرادة القيمة المضافة في فلسفة جدل , وعضوية معنى مابين ورود في مؤنس أرض وألق نجوم في سماء . وسكنى ذلك مثابرة تذوّق رفيع من تأمل . هو الربيع في مقطّعات النثر , وأقلام المبدعين صور . وجميل ما قاله الرافعي 🙁 يقف الشاعر بإزاء جمال الطبيعة , فلا يملك إلا أن يتدفّق , ويهتزّ ويُطرب( إن الربيع في سماحة الفهم رسالة إبداع , ونهوض حضور لافت في نعماء الحب والمحبة , ورقي كل سلوك بنّاء أخّاذ , نَضِر الإبداع في ربوع الذّات مطالع سني أعمار , وأحاديث تبقى متسع كل ضمير سامٍ . إنه الربيع إيقاع الجمال في ترانيم الذات وثقتها بقدراتها , وبالحياة باتساعها , وجميل قول جبران : (( تأملوا يقظة الربيع ومجيء الصبح , إن الجمال نصيب المتأملين (( أجل مطالع الربوع ربيع , وأصالة الجمال دفق ربيع لرسالة إنسان لإنسان , ربيع سموّ إلى سموّ .
نزار بدّور