شعراء وذوو شهداء يفتحون قلوبهم للضوء ويتعالون على جراحهم

الموت دفاعا عن الأرض والعرض والنفس أعطى للفنون شعلة لا تنطفئ ومنذ “ناداهم البرق فاجتازوه وانهمروا”والشعراء ينهلون من معين الشهادة أجمل قصائدهم ولعل أصدق الشعر وأعذبه ذلك الذي يصدر من قلب مكلوم لذلك اخترنا في هذه المادة أن نتتبع المعاني والدلالات التي لحظها ذوو الشهداء الشعراء في نتاجاتهم الشعرية وهم يكتبون عما يجيش في نفوسهم تجاه من أحبوا .

سور الكرامة

ويرى الشاعر هيثم الضايع في قصيدته الموجهة للشهيد علي خزام،أن الشهيد هو سور الكرامة الذي نحتمي خلفه وأن المجد والنور نابع من ضياء الشهيد فيقول: مجدُ البلاد من الشهيد دماؤه نور ٌوطلَّ من السماء ضياؤهُ /سور الكرامة, نحتمي بظلاله أكبرْ به بطلاً يعيش عطاؤُه.

 ويرثي الشاعر هيثم بيشاني شقيقه الشهيد عمار بيشاني بكلمات تقطر دمعا وفخرا طالبا من مشيعيه التأني في دفنه فجراحه طرية ..يبكي ويستبكينا قائلا : دللوه -أحبتي – دللوه و احملوه على الأكف احملوه إن سكبتم في راحتيه دموعي فاجمعوا المسك حوله و انثروه لا تهزوا الغصين .. عله غاف حاذروا من سلواه أن توقظوه غسلوه من فيض دمعي و حزني برموش من الندى كفنوه و ضعوه في قبره بهدوء لا تمسوا عينيه … لا تلمسوه فحبيبي جراحه ناعمات يا لخوفي باللمس أن توجعوه

خنساوات حمص

 خنساوات حمص وفي مقدمتهن الشاعرة هند سطايحي ترثي ولدها الشهيد عيسى الذي رحل وهو في ريعان شبابه ليترك قلب أمه يبترد بالنار لأن نار الفراق والشوق أشد مضاء فتبكينا حين تقول: ياغصة القلب لما اختارك الأجل لا يرحل البدر إلا حين يكتمل /كل الدروب أمام الحزن مشرعة لكن أمك قد ضاقت بها السبل/ ماعادت النار بعد اليوم تحرقني ما ابرد النار حين القلب يشتعل /تبكي العيون على فقد يؤرقها كذا ويدمي الرفاق الحادث الجلل .

لله درها من شاعرة لقد سكبت قلبها في هذه  القصيدة التي لا تفيها حقها المحابر فهي تلملم دموعها وتسترجع قواها لتسرد لنا قصة استشهاده العظيمة فتضيف: قرب الفرات طويت العمر يا ولدي حتى يتابع في جريانه الأمل /وصرت جسرا عبرنا فوقه زمنا نحو الحقيقة والأحلام تكتمل /شاهدت روحك يوم الوعد صاعدة نحو السماء ليلقى نده زحل / من بعدها ضاءت الدنيا مشعشعة ترنو لوجهك ياعيسى وتبتهل /والشاعرة لا يبرأ جرحها إلا برؤية ابنها يوم الميعاد : إني المشوقة يا أمي وبي أمل عند التلاقي بقرب الله نحتفل /صدعت قلبي ومني العين دامعة لن تبرأ العين إلا فيك تكتحل.

الشاعرة منى الخضور ترثي قريبها النقيب (أمجد محمد الخضور ) ورفاقه الذين وهبوا أرواحهم  وما وهنوا وما بدلوا تبديلا.. فتبارك لكل من حصل على شرف الشهادة في قصيدتها المعنونة بـ (عرس الشهادة:(. طوبى لمن حازها بالله معتصماً .. في ظلّ سدرته خمرٌ وأفياء تلك الشهادة اسم الله باركها .. وللنجيع بها .. وحيٌ وإيحاءُ فاسأل لساريةٍ واليمُّ مختضبٌ .. عن لجّةٍ شهقت والموجُ أنواء.

 وترى الشاعرة منى الخضور أن الشهيد لا يموت بل يموت الخانع المستكين: حازَ المعالي ونحن الميّتون هنا .. طوبى لمن دمهُ نورٌ وصهباءُ أكرم بمن صنع الأمجاد من دمه .. عرس الكرامة في الغبراء إصغاءُ.

  ولننتقل إلى جنان الشاعر الشفيف الملهم مزاحم الكبع الذي كتب عشرات القصائد في تخليد معنى الشهادة ويمر عيد الشهداء هذا العام دون أن يكتب شيئا فهذا هو أول عيد يأتي بعد أن نال شرف لقب والد الشهيد فيقول: في كلِّ عامٍ في يوم السّادس من أيار عيد الشهداء كنت غالباً ما أدلو بدلوي شعراً صادقاً طافحاً تمجيداً لأولئك الذين ضحّوا بدمائهم وأرواحهم ليظلّ الوطن منيعاً عزيزاً ولنظلَّ نحن نعيش بكرامة وأمان … هذا كان دأبي في كل عام … إلَّا في هذا العام أحسُّ بأنَّني عاجزٌ عن كتابة بيتٍ واحدٍ من الشعر لا أعلم بالضبط لماذا .. ولكن ربّما .. وأقولُ ربَّما لأنَّني أصبحتُ والدَ شهيد حيث أصبحتْ الحروف يغصُّ بها حلقي، هذا من جهة .. ومن جهةٍ أخرى ربَّما أصبحتُ أخاف أن يطغى على حروفي شعوري الخاص المتعلِّق بولدي الشهيد على الشعور الأعم والأشمل المتعلق بشهداء الوطن جميعاً، وفي هذه الحالة ستأتي حروفي ركيكة ضعيفة مهزوزة .. رحمَ اللهُ ولدي الشهيد رامي مزاحم الكبع .

الشاعر عمار مرهج يرثي قريبه البطل النقيب المظلي أحمد محمد مرهج بقصيدة تطفح بمعاني الفخر والاعتزاز بتلك الدماء التي روت النصر من سمو عطائها فيقول : رَجِعــَت مُطمئنـةً كُلُّ نفـسٍ أرضَتِ اللهَ فاستَحَقَّتْ رِضاها لم يَمتْ ذاكَ الشَّهيدُ لِمُلـــكٍ إنَّمـا للبـــــلادِ ضَحـى فِداهــا /رجلاً كان في البلادِ شُجاعاً فاسألـوا عنهُ أرضَهَــا وسماها /لَمْ يُرعهُ الأعداءَ مَهما تَمادوا قلبهُ الصُلــبُ جذوةٌ إنْ رماها /كفُّهُ قِبضةُ الحديدِ على النَّارِ تـُــراهُ كَقِطعَــــةً مِنْ لَظَاهــــا/ قـــــدمٌ ثابــتٌ وقلـــبٌ قويٌّ أوشكَ القلبُ أنْ يَخوضَ لِقاهـا /كتــب الله أن تــدار المنايا والشَّهيــــد الذي يديـــر رحاها.

ميمونة العلي

 

 

 

 

 

 

 

المزيد...
آخر الأخبار