ذكر الروائي التلفزيوني والقاص حسن م يوسف، والسناريست، في إحدى تغريداته أنّ تركيّا تعرض مسلسلاً تلفزيونيّاً عن السلطان عبد الحميد آخر سلاطين البطش والتخلّف العثمانيّ الذي لاينكره إلاّ أعمى القلب، ومَن غلبتْ عليه أهواء هي أهواء ما دون الدّولة، بالمفهوم الحضاري المعاصر،وذكر أنّه مسلسل ضخم في العُرف الإنتاجي التلفزيوني، وكلّف الكثير من الأموال، الأمر الذي دفعني للتعرّف أكثر على ذلك السلطان المقبور، لاستجلاء بعض التشابهات التي أرجّح أنّها تتقاطع مع شخصيّة أردوغان، والمعلومات الواردة مأخوذة من كتاب ” خطط الشام” لمحمد كرد علي- الجزء الثالث، صفحة 100 وما بعدها، وقد جاء في توصيف ذلك السلطان:
..” يتفنّن في الجاسوسيّة ليطّلع على الصغيرة والكبيرة”..
“أوقف مجلس النّوّاب إلى مدّة غير معيّنة، ولم تتمتّع الأمّة بحريّة الدستور سوى أربعة أشهر”..
..”أرسل مدحت باشا، أحد أركان حكمه، إلى ولايات بغداد والشام، وإزمير، ومنها إلى حبس الطّائف، فقتَله هناك”..
..”وفي أوّل عهده 1881م أخذ الصهيونيّون ينزلون فلسطين مئات كلّ سنة، وهم مقدّمة الصهيونيّة الذين كانوا يحاولون إقامة بناء القوميّة اليهوديّة”..
في ذاكرتي أنّ أكثر من مائة مستعمرة يهوديّة أقيمت في عهده في فلسطين، هذا الذي يتبجّح الحانّين إلى عهده أنّه رفض ما طلبه منه مؤسّس الصهيونيّة!
..”ساءت الأحوال وتنكّرت الأخلاق، وبات القول الفصل للرّشى والمحاباة والشفاعات، وغَلَوا في التجسّس، والوقيعة، وكثر الفقر، وعمّ القهر”..
..”ضيّق على أخيه مراد وعلى سائر أفراد الأسرة”..
..” كلّ مَن خالفه في سرّه أقصاه وسجنه وعذّبه “..
..” لا يصطنع إلاّ مَن فسدت أخلاقهم”..
..” ملّك الأملاك باسمه، وكلّما سمع بأنّ في إقليم كذا أراض من أملاك الدّولة يأخذها بلا ثمن وإنّ كانت أميريّة أو بثمن طفيف إنّ كانت للأفراد”..
..” ألّف عدّة شركات، وفتح مخازن للبيع/ وضاربَ بالأوراق الماليّة”..
..” حظر تعليم التاريخ الصحيح وعلوم السياسة والاجتماع”..
..”رُفِعت من المعاجم ألفاظ العدل، والمساواة، والاغتيال، والقانون، والجمهوريّة”..
..”إذا سمع بعالِم ينفع الناس بعلمه، في أطراف مملكته يحتال عليه، ويستقدمه إلى الأستانة ليُدفَن حيّاً بخمول ذكْره”..
..” يُلقي العداوة والبغضاء بين أفراد حاشيته”..
ذلك ملخّص تلك الأخلاق الحميديّة، لتلك الشخصيّة ، ولعلّها واحدة من الشخصيّات التي يستلهمها أردوغان في مسيرته، المتلوّنة، الخدّاعة، وهذا يدفع للاعتقاد أنّ ثمّة تقاطعات نفسيّة وسلوكيّة بين الرّجلين، وهذا يدفع لإثارة الأسئلة التالية:
أين هي الاتفاقيات التي عقدها مع سوريّة، بل أين التقيّد بالنصوص الدوليّة القانونيّة فيما يتعلّق بنهري دجلة والفرات، والتي يُعتبَر قطعها، تعطيشاً للبشر والدّوابّ، والحجر، وخنقاً لبعض مواقع الإنتاج التي تتعلّق جذريّا بحياة الناس؟!!
أين صار ذلك الموقف الذي وقفه أردوغان في دافوس، وانسحابه العلنيّ واحتجاجه، والذي أوحى من خلاله أنّه مع القضيّة الفلسطينيّة، لتتكشّف الأحداث التالية عن أنّه يتعامل بعمق مع الصهاينة ملبّياً لهم رغباتهم.
لن ننسى أنّ الذي أدخل داعش، وغذّاها، وأقام معسكرات استقبال الفارّين قبل أن يفرّوا هو ذلك الذّئب الرمادي، وما زال على ذلك النّهج حتى الآن،
لعلّ مَن يتساءل كيف سارت سوريّة ذلك المسار في تعاملها مع أردوغان،؟ ولستُ أرى أنّ الإنسان يُلام على نقاء سلوكه، وعلى وضوحه، ليس اعتماداً على حُسن الظنّ، بل انطلاقا ممّا يعنيه التقيّد بالاتفاقات الموقّعة أصولا، بل يقع اللّوم على الغادر، القاتل، المتآمر، الكاذب، الطاّئفي، الحاقد.
لقد طوى صمود الشعب في سوريّة الكثير من الصفحات عبر التاريخ، وتجاوزها، ولن يكون ما فعله أردوغان إلاّ واحدة من تلك الفعلات.
عبد الكريم النّاعم