صدر مؤخرا كتاب جديد “برغل ناعم” للكاتبة تغريد قطريب حيث ترصد تغريد ذاكرتها الوضاءة بيئة المزينة، والتحولات المادية والمعنوية التي طرأت على هذه القرية الجميلة منذ عقود وحتى الآن، وهي نفس التحولات التي شهدها ريفنا بأكمله.
اختارت قطريب لكتابها عنوان “برغل ناعم” لتذكرنا بالبرغل مونة كل بيت، وبالمضامين الرمزية للبرغل كالتلاقي حول السليقة، والحلة، والنار، وسلل القش، والسطح الترابي، والطاحونة، واللحظات، الجميلة التي تخطف القلوب.
وفي ذاكرة قطريب تحيا الأماكن الجميلة رغم بساطتها مثل دوار البرج، حارة الجحجاح، الطاحونة القديمة، الزاموقة، كنيسة الشحارة،وغيرها من الأماكن. كما تطرقت الكاتبة للمناسبات المفرحة التي كانت تجمع أهل القرية الطيبين، وعن الفرح والبهجة التي كانت تسود تلك المناسبات، مثل زمن الحصاد، الدبكة، الأعياد ، البسكويت المغطس بالشوكولاته، سهرات المزينة حتى الفجر.
وتناولت في كتابها طقس المزينة، حتى نكاد نحس بقسوة عصف الهواء الشرقي، وبرد كانون الأول ، وفي الصيف نعايش معها نشوة الروح، العشب المندى، وسائد الأرض العشبية، رائحة النرجس الساحرة، زهرة القمر، أزهار البابونج، وفي معرض الحنين تستعرض أسماء الأصدقاء والمعارف والأقرباء، وقصص الرفاق الذين ابتعدوا، ليتركوا ذاكرة يتيمة من الفراغ، تقول والحزن واضح بين السطور: (كانت ضيعتي تضج بالمارة، وتفتقر للسيارات، كانت جميلة خضراء، تعبق في هوائها رائحة الليمون الأخاذة).
وفي مقارنة بين ماضٍ تحن إليه، وحاضرٍ تخشى أن يقتلع كل مظاهر السحر والجمال، والقيم الروحية، التي عهدتها في قريتها المزينة، بين ماضٍ من الزمان،سكن ذاكرتها بعبقه ووشائج الحب فيه، وبين حاضر يسير بنا نحو الغربة، والهجرة، والمجهول، تقول الكاتبة: (ربما هي طرقات المزينة التي بتّ لا أعرفها، ولا أعرف سكانها، حتى بدا كل شيء خاوياً بارداً، وحيداً، ربما هي الكتل البيتونية الضخمة التي حلت محل مشاتل البرتقال، وعرائش العنب، التي لم يكن يخلو منها منزل واحد…).
وفي الختام، نحتار ونحن نقرأ كتاب “برغل ناعم” هل هي مذكرات قرية؟ أم هي نسجُ خيالٍ لشاعرة، تقدم شخوصاً وأحداثاً على طبق من أدب رفيع؟ أم هي بين هذه وتلك؟
شيم يازجي