تبدأ ” ليلى ” بطلة رواية ( ليس هذا ما أريد ) للأديبة رنا صائب أتاسي ، بالقول ( أرغب باستمطار ذاكرتي لأكتب عن كل شيء عن الجنون والحماقات , عن كل الخيبات ، لن أتوارى ، لن أحذر الألغام ، سأمشي بقربها ، فوقها ، ولتنفجر ، كما يحلو لها فلا أدب من دون انفجارات …!!) الرواية ، إذاً عن حياة البطلة / ليلى / ، العاشقة ، والصحفية المجدة ، وعن تحولات حياتها هي تسميها ( حكاية ) ، لكنها رواية أو ملحمة …! بعد المقدمة ، تبدأ بسرد قصة حياتها بجمل تقريرية إخبارية في لغة أقرب للتقرير الصحفي ، وهي صحفية .. تقول :
( لا أدري كيف حصل هذا ببساطة ..!!)
تبدأ الرواية ، بفصل عنوانه ( المقدمة ) ثم لا نجد عناوين للفصول ولا أرقام لها ، بل تبدو فصلاً واحداً..!!
صيغة المتكلم ( الأنا ) تعطي واقعية ومصداقية لما ترويه ليلى ، لما حصل لها من أحداث فهي تعمل في صحيفة تصدر في ( طرطوس ) كما تقول الرواية وهي أيضاً فنانة تشكيلية رسامة أما / حامد/ فهو زميلها في المعهد ثم صديقها ثم حبيبها يعمل في المسرح وهو شاعر .
التواصل الروحي بين / ليلى / و / حامد / تطلق عليه ليلى ( المراهقة المتأخرة ) حب يجرفها بتياره ، أشواق ولقاءات واتصالات هاتفية والبحر هو الشاهد ومسرح الحدث .. وأمواجه تصفق أو ربما تهزأ بالعاشقين يقيم في ريف دمشق لكنه يزور منزل عمه بين حين وآخر ويلتقي / ليلى/ ليشارك بأمسيات شعرية ، يمضى أسبوعاً أحياناً ،يلتقيان في المقاهي القديمة وعلى مركب في البحر .
ولأنها تقع في الحب وللمرة الأولى بسبب تربيتها الصارمة فإن مشاعرها تزداد جموحا فتسلم نفسها للحب لدرجة أنها تحب معانقة جميع الناس و الأشياء (ص14 ).
كاتمة سر ليلى هي ديانا زوجة العم مارسيل السويسرية الأرمنية التي تعرف عليها العم مارسيل أثناء زيارته إلى جنيف و تزوجها بعد وفاة زوجته … هي تحب جنيف , وتحب طرطوس أكثر ” جنيف شيء و الانتماء ” طرطوس ” شيء آخر و أما طوني فهو ابن العم مارسيل من زوجته الأولى و يقيم في جنيف وهو طبيب مشهور.
يأخذ الحب كل تفكير ليلى و حواسها و لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى حامد..!! لكن المفاجأة الصادمة تكون عندما تعرف أن حامد له خطيبة هي ابنة عمه … تبتعد عنه تصفعه على وجهه و تصاب بالحمى و تدخل المشفى لعدة أيام .
بعد خروجها من المشفى تعود لعملها في الصحيفة لتكون مشرفة على صفحة الأخبار بدلاً من الشعر تحول من الرومانسية إلى الواقعية في العمل الصحفي و في الحياة .
ينتهي هنا النصف الأول من الرواية لتبدأ ليلى حياة جديدة تلتحق بدورة عربية للإعلام في دمشق تتعرف على صحفيين عرب … يقرر هؤلاء الذهاب إلى العراق لتعرية و فضح الاحتلال الأمريكي…
الوضع المتفجر – اغتيالات انفجارات – خطف – تدمير – كل هذا يجعل عملهم صعباً و يحتاج إلى جرأة و إقدام… و هكذا تعرض نفسها و رفاقها للخطر من اجل العراق و يستطيعون فضح الاحتلال من خلال وثائق و صور ينشرونها في صحفهم وإذاعاتهم التي يراسلونها و هذه الوثائق تفضح و تعري و تدين الخونة الذين ينتمون للقتل …. تعتقل القوات الأمريكية /ليلى/ وتحقق معها .
تعود ليلى إلى سورية وإلى عملها الصحفي وتنهي روايتها بعبارة” لم أكتب وجعي بالضبط، ولم أنفجر من المكان الذي أريد ..أو ..ليس هذا ما أريد!!”.
ليلى، رمز للمرأة ، المثقفة ، المكافحة ، العصرية، بالمعنى الايجابي للكلمة ، وهي رمز، أيضاً، للإعلام الوطني المقاوم للاحتلال وأذنابه، هذا الإعلام حسب الرواية على الرغم من إمكانياته المتواضعة ،استطاع أن يكون مؤثراً لأنه ينقل الحقيقة ويفضح المحتل وجرائمه.
ليلى تشتعل حباً ورومانسية في النصف الأول من الرواية والحبيب هنا لم يكن مخلصاً بل يجري وراء نزوة يبتغيها لكنها تكتشفه في الوقت المناسب وتخرجه من حياتها .
وفي النصف الثاني من الرواية تشتعل حباً للوطن وفكراً قومياً فتغدو”بطلة” والحبيب هنا هو”الوطن” الذي يبادلها الحب والتقدير ممثلاً بكل أسرتها ومن يعرفها .
وإذا كان من ثغرات فنية في الرواية فإنها تتجلى في التفاصيل التي لا لزوم لها في القصص الطارئة على الحدث العام ، مثل زيارة الوفد الصحفي العربي إلى تدمر والفرات ومثل زيارة ” ديانا “للحي الشعبي في طرطوس لتقديم المساعدات للفقراء فهذه التفاصيل كانت عبئاً على السرد الروائي دون أن يكون لها وظيفة ..!!
وللأديبة رنا صائب أتاسي عدد من المجموعات القصصية وهي عضو في جمعية القصة والرواية في اتحاد الكتاب العرب.
عيسى إسماعيل