دخل صديقه وعلى وجهه غمامة أسى وغضب، فقال له: ” لستَ على بعضك، عساه خيراً”؟
أجابه:” صدّقني أنني لم اعد أعرف كيف أُلملم ما يتدافع ويتراكم، ومن جملة ذلك هذا الوضع الكهربائي الذي يجعلك مُكَهْرباً، متوتّراً. منذ فترة ليست ببعيدة كانت الكهرباء تأتي ساعتين كلّ أربع ساعات، وكانت مقبولة على مَضَض، فساعتان قد تفيان ببعض ما هو ضروري، لشحن الموبايل، وبطارية اللّدّ، وغسيل الثياب، وها نحن الآن ننتظر خمس ساعات لكي تأتي الكهرباء ساعة واحدة منقوصة، في الغالب خمسة دقائق أو عشرة، وأنت تعرف أنّ الكثير من مفردات الحياة قد أصبحت متعلّقة بوجود الكهرباء، تذهب إلى دائرة في الدولة لمراجعة ما، فيقال لك تعال حين تأتي الكهرباء، تريد أن تطّلع على معلومة من خلال غوغل فلا تستطيع، حتى في القرى صارت سيّدة البيت التي تريد خَضّ اللّبَن فإنّها تخضّها على الكهرباء.
قاطعه:” الذي أعرفه أنّ مسألة الكهرباء مسألة مركزيّة، فالكميّة التي تَردُ من دمشق للمحافظة، تُرسل عبر التيار”،
قاطعه صديقه:” هل جميع بيوت الناس مسؤولين وغير مسؤولين تُعاني من ذلك؟!!ثمّة مَن لا تنقطع الكهرباء عنه ولا ثانية، وثمّة، ممّن يملك من المال مَا يساعده على شراء موَلّدة فهو يستعملها، ويستطيع أن يؤمّن محروقاتها أيّاً كان ثمنها، والعترة، كما يقولون، علينا وعلى أمثالنا، ولا يبدو أنّ نهاية هذا النّفق قريبة، أنت نفسك هل تجد وقتاً كهربائيّاً كافيا لكتابة مقالة، أو لتثبيت فكرة تكتبها على الكمبيوتر، أو للاطّلاع على أمر يهمّك”؟!!
قال:” أنا يا صديقي مثلي مثلك، لا أملك معلومات، ولا أعرف الأسباب، ولكنّ بعض من هم ( فوق) لاشك أنّهم يعرفون..”
قاطعه:” لا تذكر لي الأسباب، لقد أُتْخمنا بما فيه الكفاية، من تكرار ذلك، فرغم الحصار، ذات فترة، كانت الكهرباء ثلاث ساعات بثلاث ساعات، ألا يستطيع السيد مسؤول ما أن يظهر على التلفزيون ويتكلّم بصراحة عن الأسباب، لأنّه، على الأقلّ، إذا عُرف السبب بطل العجب،”؟
أجابه:” أنت تكلّمني شاكياً، أم تريد منّي أن أحلّ هذه العقدة”؟!
ضحك صديقه بمرارة وقال:” أضْحكْتني يا رجل، هل بلغ سوء الظنّ بي حدّ أن تتصوّر أني أطلب حلاً منك”؟!!
تابع:” العَتمة تبدو ثقيلة على الروح، وكم من فارق بين أن ( تحيا) في النّور أو ( تعيش ) في الظلمة، ألا يكفي ما في كلمة ” الظُّلمة” من ظلم، ولذا تراني ألجأ للاستلقاء تارة، وهو استلقاء لا راحة فيه، لأنّ الراحة حين لا تتوفّر.. تُلاحقك الظُّلمة حتى في الأحلام، أقرأ في مكان فيه بعض الضوء، ولكنّ الحياة لا يمكن أن تكون قراءة دائمة،… وتارة أخرى أطلّ على الشارع من تلك الفسحة الموجودة، فأرى الناس، والمشكلة أنّني لستُ من النّوع الذي يرى الشخوص ذاهبين وجائين، بل أنظر إليهم كمخلوقات ربّانيّة، ولا شكّ أنّ لديهم، في هذه الظروف التي نتحدّث عنها، من معضلات ما يواجهون قدْر ما لديّ بل وأضعافا مضاعفة، فهذا التلميذ الذي يذهب للمدرسة باكراً وليس عليه من الثياب ما يردّ غائلة هذا البرد الذي بدأ يتسلّل، وليس لديه، أو لدينا ما يُدفئ، .. أتأمل فتنبسط بين يدّيّ هموم الناس المتراكمة، والمثل يقول إذا كان جارك بخير فأنت بخير، فكيف وأوضاع العباد كما نعرف جميعا….؟!!
عبد الكريم النّاعم