ينطبق علينا، في معظم مقاطع حياتنا مقولة ” المصائب لا تأتي فُرادى”، الغلاء، البرد الذي ما زلنا في أوله ولا وسيلة للتدفئة، ليت الانفعالات تتحوّل إلى ما يُدفئ الجسم والروح، ومع كل ما تعرفونه فإنّ حكاية سورية مع الكهرباء حكاية تدعو للأسى، في زمن أصبح فيه كلّ شيء يحتاج إلى الكهرباء، ولا تنسوا أنّ الكمبيوتر أُدخل إلى كلّ مفاصل الدولة، فإخراج قيد نفوس على الكمبيوتر، دفع فاتورة الهاتف أو أي فاتورة على الكمبيوتر، حتى اللحام الذي يفرم اللحمة يفرمها على الكهرباء، جميل وراق وحضاري أن يكون الكمبيوتر في كلّ مكان، بيد أنّ المشكلة أنّ هذا الكمبيوتر لا يعمل إلاّ بوجود الكهرباء، وبرغم علمي أنّ الهموم لا تنقصكم فسأحاول أن أبسط بين أيديكم يوماً حمصيّاً كهربائيّاً، وأنا أعلم أنّ حمص ليست فريدة في هذه الحالة، فمحافظاتنا متشابهة من حيث المعاناة، أمّا وضع الأرياف فإلى مزيد من التردّي.
قالوا إنّ الكهرباء ساعة وصل، وخمس ساعات قطع، وهذا ذكّرني بما كان يسمى عند الفلاحين بزراعة المُخامسة، ولمّا كنّا لا نستطيع ردّ القضاء بل نسأل الله الرحمة فيه، ما كان لنا من وسيلة إلاّ الرضوخ، ولكنّه رضوخ يملأ الأعصاب غيظاً، ويحشوها ناراً، ولكنّها للأسف نار لا تُدفئ البردان، قلنا أمرنا لله سنبرمج علاقتنا بالكمبيوتر على هذا الأساس، غير أنّ الذي يحدث أنّ الكهرباء، وأتكلّم عن الحيّ الذي أنا فيه، والأحياء المشابهة، تأتي الكهرباء فأقوم إلى الكمبيوتر مؤمّلاً أن أستطيع كتابة زاوية، أو مقالة صغيرة، أو تكملة ما بدأته من قبل، وما أن أفتح الكمبيوتر وأحاول البدء حتى تنقطع، أي أنّها لا تستمرّ أكثر من خمسة دقائق وتنقطع لمدة عشرة دقائق أو أكثر وتلمع مرّة ثانية فأنهض مسرعا رغم الشيخوخة وبالكاد أضيف جملة أو جملتين فإذا هي تنقطع، وهكذا دواليك، أمّا في الليل فإنّ مخصصاتنا لا أعرف أين تذهب، فما نكاد نراها ليلا بعد فترة المساء، ودليل ذلك أنني منذ ثمانية وأربعين ساعة وأنا أضع موبايلي في الشحن ولم يتجاوز الرقم خمسين، ذكرتُ ذلك بحضور صديق فقال لي إنّ خطّكم موضوع على التردّد، أي أنّ ثمّة حمولة معينة لهذا الخط، متى تجاوزها يفصل الخطّ آليّاً، وكما تعلمون، الناس لا مازوت ولا من يحزنون، فالجميع يبادر إلى وصل أجهزته فتكون الحمولة أكبر من طاقة الخط فتنفصل الكهرباء، قلت لمحدّثي زدتنا معلومة زادك الله من فضله، ولكنْ لماذا هذا الخط على التردّد، لماذا لا تكون موضوعة التردّد دوّارة على الخطوط، ولسنا نعني المواقع التي لا تنقطع فيها الكهرباء، فتلك لها وضعها الاستثنائي،
تُرى كيف أستطيع أن أفصّل فكرة كتابة مقالة صغيرة على وقت لا يتيح لك إلاّ أن تمتلئ غيظاً، وتبرّماً، فتسودّ الدنيا في عينيك، ولا تعرف كيف تتصرّف، وتستعين بكلّ قراءاتك لتستعيد توازنك فما تستطيع،
على الذين يمارسون الكتابة أن يتعوّدوا أنّ على إبداعاتهم أن تتأقلم مع هذا الواقع، كيف لا أعرف، ولست أضمن لأفكارهم أن تخمّ بسبب انقطاع التيار، ولذا عليهم أن يعودوا إلى الورق، فيثبّتونها هناك، وينتظرون حتى تقضي الأمور ما تقضي.
إنّ غياب الكهرباء يسبّب عطالة في الذهن، فلا تفكير إلاّ بها، الطعام في البرّاد، على قلّته، يخمّ، الغسالة تبقى أسبوعا حتى تنهي وجبتها، فيا جهابذة أفتونا إن كنتم تعلمون…
عبد الكريم الناعم