لغتنا العربية , أيتها الجذوة المتّقدة في أكنان القلوب صحوَ ضمائر متوهّجة الوجد مكينة الاتّقاد لظى في مواقد الروح , والحاضرة نبوغ إرادة قول على فعل في عراقة الأزل وسيرورة الحاضر واستشراف المستقبل ألمعية نور يتهجّد في محراب الدُّنا تعاقب أعصر , وتتالي دهور سعة كل تفكير , وبوح كل وجدان يتساوق من خلالهما كل ألق ينشد الضياء , ويرنو صوب العلا قامات في كل علم وفن , وسبق كل إبداع في كل ساح , فتغنّيه ملاعب الدّهور صهيل أصالة للسان عربي فصيح , وأمة , أبناؤها سرح أنفاس هم أبناء بجدتها ساحات وغى في عزّ وانتصار ومجالس فكر في سحر جمال اللغة : أداة ووعاء , وقوة بيان .وعلى مطلول أنساقها الإملائية والنحوية والصرفية والدلالية واللسانية , وسعة أساليبها , وثراء حصيلتها اللغوية , وغنى اشتقاقاتها , وثراء بناها , وقدرتها على استيعاب الحضارات وعلومها , والتقانة وضروبها , واللهجات وتحدياتها , والغزو بسياساته التتريكية والفرنسة ومحاولات التهويد في واقع فلسطين العربية يضاف إلى ذلك لغة العولمة , ومحاولات تغريب الأمة عبر محاولات تجاوز لسانها الفصيح وتزييف حقائق الثوابت للإنسان والقيم والشعوب عبر ألاعيب التضليل الإعلامي وثقافة الصورة والاستهلاك وتسطيح الوعي فإن كل ذلك لم ينلْ من اللغة لساناً, والأمة كياناً ,وما إلى ذلك من دسائس مغرضة بحق الإنسان وقيمه عبر قيم الحياة المادية الاستهلاكية ولغة الإعلام المتعولم والوسائط المسيسة وغير ذلك من عوالم الغرب المستعمر وتوابعه .. فإن لغتنا العربية وعلى مدى سبعة عشر قرناً , وما تزال وقع الضاد في تجذّر كل انتماء للأصالة والعروبة.
أيتها اللغة الطافحة عبق نسامٍ مشبعة بنفحات المحتد الكريم بوح شيح وقيسوم وأهل وأحباب في فضاءات العصور ترانيم قوافٍ غرّدت بها حناجر مبدعيها والذوّاقون أناشيد للحياة في مرتسمات النفس والعقل والوجدان , تباريح هوى وشرانق حرير تغزل همهمات العشق لليلى , والقلب لا يتوب , خلاف وعده , والحكمة أن تأخذ النفس وسعها قبل بينها , والمديح : ألستم خير منْ ركب المطايا … , والهجاء : دع المكارم .. والجمال : يا دجلة الخير , ياعروس المجد , من قاسيون أطل يا وطني .. وفي حفاوة النثر هي تراث ومقطّعات ومصنفات في النثر أدبا ونقداً , وفي العلوم مقولات وتفاسير , ودراسات وبحوث , وفي الترجمات ضروب تقصّ حكايات المبدعين في لغاتهم , هي أنت , لغتنا العربية مناغاة السرير لطفل عيناه في مرايا الروح, ورسم حروف ملوّنة على سطور دفاتر في بيادر النور تلامسها أنامل على براءة طفولة تغني للجدّ والمثابرة والوطن والحياة . أنت , أيتها اللغة من بين أعطاف جمالياتك, نقرأ, ونسمع, ونبدع فتروح الأفكار صروحاً من آراء وتصوّرات ومواقف وعوالم نجاحات , وتتقد جُذا المشاعر والعواطف للحب والمحبة والعمل والقيم والوطن والإنسان نباريس من أنوار , هي الثريّا في استدارة فلكة قمر يضاحك سحر كل بهاء , وسطوع كل نور في شمس تعانق هالة قمر في مداومة ليل بنهار . أنت , لغتنا العربية في كينونة الأمة الأم تعليماً وتعلّماً , وفي أرومة الوعي منطلق كل بيان , وبلاغة كل فصل خطاب , وسردية كل خاطرة وأقصوصة وقصّة ورواية و أصوات أنفاس حياة على مسارح الدُّنا عقد جواهرعلى جيد الزمان . وأنت , أيتها اللغة سعة العقل في مجامع الأمثال صدى لتجارب ارتاد بنوها الصحارى والوهاد والجبال والوديان , وضربوا في الأرض خطا حضارات وبلدانا, ولغات , فكنت بأبنائك الغيارى , ومصنفاتهم ومعاجمهم وتآليفهم في علومك قلعة الأوابد الصمّاء تلوحين بألف وردة لكل نبوغ , وأنت خدره وفجاجه وذراه , لأنك درة غائص , وبوح أنداء الغمام , ومساحب الغزلان وقوة النسج في محكم كل صوغ , يرى في مندرجات مدرجها اللساني الصوامت والصوائت صدى لارتعاشات النفس في غنائية الروح والحياة مابين دمعة وابتسامة . هكذا أنت لغتنا العربية مسؤوليتنا جميعا أفراداً ومؤسسات فترانا نحسن استخدامها فصاحة , وثراء مفردات , وفهم أنساق وأساليب واشتقاقات , ونبدع فيها عبر عصف ذهني متجدد بحذاقة كل فطنة , ومثاقفة كل سعة في علم , وتوثيق لدقة فصيحها عبر المعاجم والمراجع والدراسات المحكمة , وكلما اتسع الإبداع سيولة ذهنية من أفكار تتجدد لغتنا أساليب , وبلغتنا مفردات لاتعيا في توكيد ما نريد قوله أو كتابته . يا لروعتك لغتنا العربية ! لساننا الفصيح وهويتنا وانتماء وجودنا , وعالمنا المكتنز, تراثا ,وعلوما, وقيما, وتجارب, ومهارات, والحاضر ديمومة تعبير لواقع معيش , ومستقبل مشرق ننثر فيه بذار إبداعاتنا إنسانا وعلوما. إنها لغتنا العربية مؤونة حضورنا , ووعينا , ومداد مهاراتنا في كل تواصل مثالي أو إبلاغي بلاغي , والتي نعي قيمتها لساناً . هي كما في مكانتها في قول د. محمود السيّد في كتابه ” اللغة العربية وتحدّيات العصر”: -” إني أحبّك كي أبقى على صلة بالأرض , بالتاريخ, بالزمن – أنتِ البلاد التي تعطي هويتها مَنْ لا يحبّك يبقى دونما وطن”.
نزار بدّور