الأنماط جمع مفرده : نمَط ، ومن معانيها :” الطّريقة ، المذهب ، النّوع من الشيء ، “
النّمط المقصود فيه شيء من الدّلالة ، بمعنى أنّ الذين سمحوا لأنفسهم أن يكتبوا أنماطاً متكسّرة ، قد دلّوا أمثالهم على الذهاب إلى تلك ” الطريقة ” ، وكتابة ذلك النّوع ،
أمّا ( التكسّرات ) فهي غير ( التّكسير ) إلى حدّ ما لأنّ التكسير يوحي بأنه عن عمد ، وما نعنيه صدر عن غير عمد، بل هو عجز صاحب النّمط عن الكتابة الشعرية بنظامها الإيقاعي البديع ، ولذا فهي تكسّرات صادرة عن العجز، وهذا يختلف جذريّاً عن تلك التّكسيرات أو لعلّ النّموذج الأبرز في الحدود العربية الذي يمكن أن يُضرب به المثل هو أدونيس ، وهو حين ذهب إلى بعض الأنماط التي خرجت ، بهذا القدر أو ذاك ، عن صفاء الإيقاع ، كان ذلك عن قصد ، وعن مقدرة ، فجرى خلفه من جرى، معرضين عن الفارق الجوهري بين القدرة ، والعجز ، فالقادر بذهابه لمواقع العجز لا يفقد شيئا من قدرته ، والعاجز بتقليده لا يكتسب حتى النُّتفة ، فيوم أعلن أدونيس انتهاء عصر القصيدة الموزونة ، وبشّر بعصر قصيدة النّثر، ما لبث بعدها أن عاد لكتابة الشعر الإيقاعي.. لم يُفقده ذلك القول قدراته ، وظلّ الباحثون عن ( غطاء ) منكشفين دون أيّ ستر ،
أنماط تكسّرات الإيقاع في شعرنا العربي الحديث ، موجودة لدى شعراء مصنَّفين في خانة نظام العمود ، ومعظم المشمولين بهذا التصنيف هم أقرب إلى الإتباع من الإبداع ، وليس لديهم إلاّ القليل من الابتكارات ، واللمعات الشعرية ، وحين اختاروا نظام التفعيلة طغت روح التقليد النّاشفة.. بعضهم وقعوا في مطبّات تكسّرات الوزن ، لأنهم اعتادوا على إيقاعيّة محدّدَة،
مقابل هؤلاء ثمّة شعراء مبدعون ” حداثويون، مميَّزون حين يعودون للكتابة بنظام العمود يقعون في مطبّات التكسّرات الوزنيّة ، وذلك عائد إلى عدم التمكّن منذ البدايات من كتابة هذا النظام ، حتى ليكاد المتابع يقتنع بأنّ مرحلة نظام العمود تكاد تكون ضرورية للتأسيس ، لضمان امتلاك الكتابة الإيقاعيّة السليمة الخالية من الشوائب ،
من المهم التنبّه إلى أن امتلاك ناصية الإيقاع ( مَلَكَة )،
والمَلَكَة : صفة راسخة في النّفس ” ، ولا تتولّد بالرغبة ، بل هي قد تنمو ، وتورق ، شرط توفّر التّربة الصالحة ، وتجسيد ملَكة الإيقاع نجده بكثرة في تاريخنا الشعري القديم ، كما هو موجود في التاريخ الحديث للشعر ، وإنْ بنسبة أقلّ ، بسبب سيادة أنماط جديدة في أفق الشعريّة العربية المعاصرة ، فثمة من لديهم ملكة ( النّظم ) الإيقاعي، وهذا يعني أنهم نظّامون ،
من المهمّ التنبّه إلى أنّ الإيقاع معزولا عن الخلق الفني المميّز ليس من الإبداع في شيء ، هو منفرداً ليس إبداعاً ، بل ( مَلَكة ) ، وحين يصبح جزءا من تشكيل القصيدة ،فإنه يكون مَظهَراً للإبداع ، ونسيجاً فيه ، ويحمل قيمته الجمالية التعبيرية النفسيّة ،
ثمّة نمط آخر هو ذلك الذي يجمع الموزون إلى النثر ، فتبدو الجُمل وقد حملت وزن بعض التفعيلات ، عن غير قصد من كاتبها ، ويتفصّل النّثر فيها ، فلا هي موزونة ، ولا هي منثورة ، فتبدو خلطاً عجيبا، يذكّر بما حدث للغراب في تقليده المشي …
عبد الكريم الناعم
aaalnaem@gmail.com