أصدر الشاعرُ الـمهجري نبيه سلامة ديوانه الوحيد «أَوْتار القلوب» سنةَ 1973، ولكنّه لاقى وجهَ ربِّه بعدَ نحو عشرين عامًا من صدور ديوانه ، سنة 1994 ، بينما استمرّ فـي نظم الشعر ونشره، لاسيَّما فـي جريدة حمص التي كان يعمل مراسِلًا مُعتَمَدا لها حتّى وفاته.
وقد تصدَّى الدكتور حسان قمحية لجمع بقية شعره وإصداره كاملًا هذا العام حيث أصدر مؤخرا ديوان الراحل نبيه سلامة الذي يعدّ بوفاته قد طَوَى آخرَ صفحاتِ الأدب الـمَهْجري السُّوري.
ولكن رغم مضيّ نَحْو خمسين عامًا على صدور الديوان القديم ونحو 30 عامًا على وفاة الشاعر، لم يعمَدْ أحدٌ إلى القيام بهذه الـمهمّة ولذلك عاد إلى ديوانه الـمطبوع “أَوْتار القلوب” وأعاد كتابةَ قصائده كلّها وضبطها، فقد كان غيرَ مضبوطٍ بالشكل؛ وهناك الكثيرُ من الكلمات غير الـمألوفة التي تحتاج إلى ضبط وشرح، ففعل ذلك، ثمَّ استخلص كلَّ ما استطاع الوصولَ إليه من شعره، لاسيَّما ما نشرَه فـي جريدة حمص التي واظبَ على النشر فيها بانتظام حتَّى وفاته.
وقد بلغ عددُ ما أضافه من قصائد إلى الديوان القديم 100 ما بين قصيدة كاملة ومُقطَّعة ، وبذلك أصبحُ العددُ الكامل فـي الديوان الجديد 336، أي بزيادة نحو 43 بالـمائة على الديوان القَديم، أي ما يعادل نحوَ ثلث الديوان الجديد، حيث ضم الديوان القديم نحو 236 قصيدة.
يقول د. حسان في مقدمة الديوان : لقد ضبطتُ كلمات تلك القصائد الـمُضافة وذكرتُ مناسباتها وشرحتُ بعضَ مفرداتها وبعدَ اكتمال الجمع، رتّبتُ القصائدَ القديمة والجديدة بحسب القوافـي، كما وضعتُ فهرسًا لها بحسب البحور، فضلًا على الفهرس العام.
ومن الجدير بالذكر أنّ بعضَ القصائد، سواءٌ فـي الديوان القديم أو الجديدة عليه، كانت بلا عناوين أو بأسماء أشخاص أو مُناسبات، فوضعتُ لها عنوانًا من سياقِها ويضيف : لقد كانت أغراضُ قصائده معبّرةً عن آلام الغربة واليأس والحنين إلى الوطن، فضلًا على الوَصْف والغزل؛ كما رثى بعضَ الأصدقاء وهنَّأ بعضَهم الآخر.
وشغلَت الـمناسباتُ حيِّزًا مهمًّا من شعره، بل طَغَت عليه، ومنها الـمناسباتُ الوطنيّة والقضيّة الفلسطينية.
وقد حاول فـي مقدِّمة الديوان الدفاعَ عن هذا النمط من الشعر.
تُوفّـيَ نبيه سلامة فـي سان باولو بالبرازيل فـي شهر كانون الثانـي ، سنةَ 1994 وأقامت له «عصبةُ الأدب العربـي» فـي البرازيل حفل تأبينيَّ فـي الـمركز الثقافـي السُّوري فـي سان باولو وفـي أيلول سنة 1994 أصدرَ مِدْحة عكاش عددًا خاصًّا من مجلَّته «الثقافة» عن الشاعر.
وقد رثته الأديبة نهاد شبّوع بقولها: “مالت شمسُ الفقيد الغالـي إلى الـمَغيب بعدَ أن شعَّت خيوطُها وخطوطها ألوانًا ودفئُها فـي فضاء الوطن وآفاق الانتشار سنواتٍ خَصيبة .. إلى أن انقطعَ آخرُ خيطٍ لها مع الحياة فـي شهر كانون الثانـي 1994 م” كما قال عنه الأديب الدكتور عَبْد اللطيف اليُونس: “نبيه سلامة شاعرٌ مُتْرَف العاطفة، منطلِق الخيال وقد وقفَ شعره – أكثر شعره – على الحنين إلى الوطن، والتغنِّي بمناظره الفاتنة، وأمجادِه الخالدة ، وروائعِه التي لا حدَّ لها” ومن اللافت للنظر أنَّ أهمَّ الكتب التي تحدَّثت عن أدباء الـمهجر أهملت ذكرَ نبيه سلامة تمامًا؛ رغم أنَّ أصحاب تلك الكُتُب عاصَروا الشاعر.
نظمَ نبيه سَلامة على 9 بحور شعريَّة فقط، ويُشار إلى أنَّ قصيدتَيْن له جمعَتا بين بَحْرين معًا، وينوه د. قمحية إلى أنه عندما أخذ فـي تَرْتيبِ قَوافـي قصـائدِ الشاعر، اعتمد فـي ذلك على أَكْثرِ الأَقْوالِ تَداوُلًا، حيث أخذ بعينِ الاعتبار الترتيبَ حسب الرَّوِيِّ الـمُتَّفق عليه فـي القَوافـي، ولم يلجأ إلى إهمالِ ألفِ الإِطْلاق وهاء الوَصْل واليَاء الـمُجرَّدة … وما إلى ذلك، مثلما كان يفعل فـي جمع الدَّواوين السابقة، بل جعل ما يأتـي بعدَ حرف الرويّ الأساسي أساسًا فـي التَّبْويب ولذلك، عِنْدما يتَّفق الرويُّ بين القَصائِد، يكون تَرتيبُ حروفِ الرويّ بَدْءًا مِنَ السَّاكِن فالـمَفْتوح فالـمَضْموم فالـمَكْسُور وعندَ اتِّفاق القَصائِد فـي حرف الرويِّ وحركتِه، اعتمد على الحرفِ اللاحق ثمّ السَّابِق للرويِّ أو الرِّدْف؛ فإذا كان حرفًا ليِّنًا أخذتُ به أيضًا، وكذلك على حرفِ التَّأْسيس وعندما يتَّفق شأنُ الرويِّ فـي كلِّ ذلك فـي أكثر من قَصِيدَة، يلجأُ إلى الترتيبِ حَسَب البحُور، حيث كان الترتيبُ كما يلي: الطويل، فالـمَديد، فالبَسيط، فالكامِل، فالوافِر، فالهَزَج، فالرَّجَز، فالرَّمَل، فالسَّريع، فالـمُنْسَرِح، فالخَفيف، فالـمُضارَع، فالـمُقْتَضب، فالـمُجْتَثّ، فالـمُتَقارب، فالـمُتَدارَك (بصرفِ النظر أكانَ البحرُ تامًا أَمْ مَجْزوءًا أم مَشْطورًا … إلخ)، مع الإشارة إلى أنَّ هذه البُحورَ لم يَكْتب عليها الشاعرُ جميعًا وحينما يتَّفق الرويُّ والبحر أَضعُ القصائدَ الأطول فالأَقْصر ولكن، واجهته مشكلةُ بعضِ القصائد التي فيها تَعدُّدٌ للقَوافـي، وهي قليلةٌ لدى الشاعر؛ وهنا أخذ بقافيةِ الأبيات الأولى، بصرف النظرِ عن قوافـي بقيَّة القصيدة كما ذكر يوزنَ بحور القصائِد جميعها بجانب عنوان كلِّ قصيدة.
الشاعرَ كان يجعل لبعض قصائده عناوينَ فرعية، مع الـمحافظة على القافية والوزن ، كما كان يمهِّد لقصائده بمقدِّماتٍ تطولُ وتقصُر، وقد التزمتُ بما وردَ فـي تمهيده إلّا بعض التَّعْديلات الطفيفة لـمُناسبة السِّياق، وأدرج التمهيدَ فـي حاشية كلّ قصيدة وإلى الإبقاء على مقدِّمات القصائد (أي ما جاء بمنزلة التَّمْهيد) بهدف التَّوْثيق للشخصيات والـمُناسَبات والأحداث الأدبية.
العروبة – عبد الحكيم مرزوق