كثيرة , هي الأمور التي تتداخل في ما بينها ضمن تشكيل بنية الوعي لدى المرء , هذا الوعي الذي يتراءى أنماطاً سلوكية , وقناعات وآراء , ووجهات نظر , وتصوّرات , يتقاسمها جانبان : أحدهما فطري , والآخر مكتسب , فالأول : المرء فيه محكوم به جرّاء حيثيات تكوينية تتماهى مابين بنية الجسد , ومعطى الميول والانفعالات الوجدانية , ليأتي مسار الوعي في جانب علم النفس نسجاً ترابطياً ضمن تماه مابين مقولات فلسفية ونصوص حدسية ,ومفردات علم النفس ,إذ لا مفرّ من هذا التلازم البنيوي في تأريخ هذه العلاقة الترابطية , فابتسامة ممراحة تشرق في مآقي عينين تبدو أكثر جمالاً في أغاريد لحاظ نظرات تشرق بها عينان . وهكذا في واقع حال لكينونة إنسان مابين دمعة وابتسامة في مقاربة أي تأمل أو إحساس ومن الإدراك المتوازن وعياً تفاعلياُ مابين الذات للمرء نفسه في حواره الداخلي مضامين قناعات , واتجاهات وميول , وحواره الموضوعي مابين ذاته في منظومته الداخلية وعياً معرفياً وخبرات ومهارات , وبين الواقع المعيش سردية حياة وفق غنى من حوامل موضوعية عبر قراءة متبصّرة , يكون ذاك الإدراك المتوازن في كفّة الميزان سداد منطق قيمة مضافة لرجاحة تعقّل , ومكين عقل عبر استقراء منفتح يتجاوز وهن خصوصية مزاج ليغدو دهش حصيلة عامرة بالفائدة اكتناز مواقف , وثراء أفكار . إن هذا الفهم للشخصية كامن في العقل ونتاجاته أنماطاً سلوكية صدى لمرايا الثقافة التي تترجمها ذهنية منفتحة تتجذّر بأصالة الثوابت نباهة إدراك منطقي , فتنمو الشخصية عمراً عقلياً يستشرف المستقبل متجاوزاً صاحبُه العمرَ الزمني لأقرانه فيكون الكسب شرفات ربح لقدرات ذاتية , وللمادة الخام “الوقت” الذي يغدو بذاته في سيرة المرء مرتبطا بتاريخه ليصبح دسم حضور من مؤشرات تميّز في معطى زمن . وقد اجتهد في حياته , فجاءت أعماله سطوراً على صفحة ما مسّها مداد من قبلُ . ومن خلال الجانبين الفطري والمكتسب ودور السنوات الخمس الأولى تربية منزلية والمدرسة والتحصيل الأكاديمي لاحقاً ومتابعة ذلك عبر التعلّم الذاتي , الذي هو حجر الأساس للتعلم المستمر تكون اللوحات ملوّنة على صقيل هاتيك الصفحة البيضاء فيضاً من مشاهد تغتبط بها الحياة ألواناً من غير أن ننسى ميزة التقليد والمحاكاة ومن هنا فدلالة “القدوة”مسؤولية , وهي صنو ثوابت القيم معيارية في توكيد السلوك. ومما لاشك فيه أن واقع المجتمع الالكتروني , والقرية الكونية , ومعطيات القيم المادية الاستهلاكية وضرب منظومات قيم الشعوب في خصوصياتها تؤدي أدوارها وبشكل مدروس مسيس للنيل من العلامات الفارقة لبنائية الشعوب في عاداتها وتقاليدها ونواميسها وأعرافها وذلك لصالح نوازع استعمارية غربية. ومما لا شك فيه أن البحث عن الرغائب بجشع وتجاوز القيم يحقق مآرب السّاعين نحو ذلك وقد تترهّل القيم لديهم , لكن تبقى القيم ثوابت مرجعية لسداد كل منطق , ومحاججة كل موقف , ومصداقية كل ضمير في مثاقفة (( الأنا الأعلى)) في قيمه المتوافق عليها. إن رحلة الإنسان مع الحياة , هي تلك الآفاق من علوم ومعارف وقيم وعادات وخرافات وأساطير , وفلسفات وضعية , وقيم روحية سامية , ويبقى المرء معلّم ذاته في توكيد مساره إنسانية قيمة كبرى مابين ثقافة وتربية وعلم وسلوك، روافد ذلك كلّه حفاوة قيم الحق والخير والجمال سموّ إنسان ينهض بالحياة .
نزار بدور..