تحية الصباح .. تذكّر

دخل وهو يُوَحْوِح، وعلامات الانكماش بادية على جسده وفي ملامح وجهه، وقال وهو يخلع قفّازيه:” يا أخي ما هذا البرْد، ينخر العظم، ويخيّل لي أنّنا لم نمرّ بمثله من قبل”،

أجابه:” نعم برْد شديد، وأشدّ منه قسوة غياب وسائل التدفئة، أمّا مسألة أنّا لم نمرّ بمثله فهذه تحتاج إلى وقفة، سأذكّرك، أتذكر يوم كنا صغاراً في القرية، وحتى بعد مجيئنا إلى المدينة كنّا نجد الماء متجمّداً في أنابيب الماء؟ أما كنّا في ذلك الريف نضطر لكسر الجليد للوصول إلى الماء لإحضاره إلى البيت.

قاطعه:” إذن من أين يجيئنا هذا الإحساس”؟!!

أجابه:” هو التقدّم في العمر، إنّ ما تشعر به من برد شديد، لو نظرتَ إلى مَن في الشارع لوجدتَ أناسا يلعبون بالكرة، وما تسمّيه زمهريراً محيط بهم من كل جانب، فما يكادون يشعرون به، وهذا لا يعود إلى الرياضة وحدها، بل إلى السنّ الذي هم فيه، لقد خوَّضْنا في طفولتنا في بُرك، وتجمّعات مياه لا أستطيع أن أقترب منها الآن مجرّد اقتراب،

قال وهو يفرك يديه :” المثل يقول:” القتيل بين ربعه ليس قتيلا”، مثلنا مثل الآخرين”،

أجابه:” إلاّ الذين لا يهمهم البرد ولا الحرّ، ففي البرد بيوتهم مدفّأة أحسن تدفئة، وفي الصيف مكيّفة بأحدث المكيّفات”

قاطعه:” هؤلاء هم المسكوت عنه في النص بحسب التعبيرات النقديّة الأدبيّة، “

أجابه وكأنّه يحوّل الحديث، ويوجّهه إلى جهة أخرى:” أنت تذكر كيف كانت مواسم الشتاء، حتى ما بعد ستينات القرن الماضي تبدأ منذ دخول تشرين، وكانت الأمطار غزيرة، وتستمر في بعض الأحيان أياما متواصلة، وقد يمر ّ شهر أو أكثر لا نرى فيه الشمس، أمّا في هذه الأزمنة الجديدة فتأتي متأخّرة، قاسية، قارصة، ولا شكّ أننا في تلك الأزمنة لم نكن نعاني من ضغط البرد، فقد كانت وسائل التدفئة، على بدائيتها تفي بالغرض، وهذا الكلام ليس حنينا لما مضى ولن يعود، بل هو توصيف، لأنّ من هم في مثل جيلنا، أو قريبون منه يُعتبَر الماضي جزء مهمّاً في حياتهم، لأنّهم يرون،-صحّتْ رؤيتهم أم لم تصحّ،- أنّهم في الغالب لا يستطيعون ابتكار أزمنة  جديدة، ويشعرون، بحكم منطق الحياة، أنّ الفرصة أمامهم أنّهم في نهاية الشوط”..

قاطعه:” فتحتَ لي باباً جديداً، يا رجل في البلدان المتقدّمة ترى الرجال في الستين والسبعين من العمر، وهم يُعهد إليهم بإدارة المؤسسات، أو المشاريع، أو الشركات بينما عندنا في الستين يُحال على المعاش، وقد يكون مازال قادراً على المزيد من العطاء، ولا يشكو من علّة، فيحتار كيف يقضي وقته، وأرجو ألاّ تنظر إلى نفسك فأنت ما زلتَ تقرأ، وبنهم، وتفهّم، وهذا يجعل الوقت متوازناً، وقد لا تكفيك الساعات الأربع والعشرون، أمّا الآخر الذي أعنيه فإنّه يحتار كيف يملأ وقته”،

أجابه :” ذلك هو الفارق بين نظرتين، ففي البلدان التي ذكرتَها يستفيدون من طاقات أبنائها إلى أقصى حدّ، بينما نحن، في الغالب نغرق فيما لا نفع فيه، لا من حيث الفكر، ولا من حيث العمل، وهذا يوجب أن نعيد النظر في هذه المساحة التي عنيتَها”

قال له بنغمة فيها أسى :” هل تذكر كيف كان باعة المازوت يدورون في الشوارع ينادون مازوت.. مازوت..”

أجابه:” كان عدد سكان سوريّة في الخمسينات أربعة ملايين، ونحن اليوم أكثر من عشرين مليوناً، أي أنّ سكانها تضاعفوا خمس مرات في حوالي نصف قرن، وهذه مسألة أخرى تحتاج لمن يُخطّط على أساس الزيادات، بما تحتاجه من موارد….

عبد الكريم النّاعم

aaalnaem@gmail.com

المزيد...
آخر الأخبار
هيئة الإشراف على التأمين: استئناف خدمات التأمين الصحي للقطاعين الاقتصادي والإداري مخفر مركز حماية الغابات يلقي القبض على محتطب مخالف في ضهر القصير ... بهدف رفع التلوث عن محيط نبع التنور .. محطة معالجة أبو حوري- الناعم في مرحلة الاستلام الأولي .. الرئيس الشرع يعقد اجتماعاً موسعاً مع وزير التربية والتعليم لمناقشة الاستراتيجيات الشاملة لتطوير المن... أسواق حمص القديمة تنفض عنها غبار الحرب وتتعافى.. الانتهاء من أعمال الترميم وتفعيل منظومة "النت الضوئ... مسؤول أممي: حان الوقت للاستثمار في سوريا لتأمين مستقبل أفضل لشعبها وزارة الخارجية والمغتربين تصدر بياناً بخصوص الدبلوماسيين المنشقين عن النظام البائد تفقد مراحل تنفيذ مبنى المصرف العقاري في حسياء الصناعية .. الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون توقع عقداً مع الشركة القطرية ‏للأقمار‏ الصناعية سهيل سات لبث قناة ا... وزيرا التربية والتعليم والتنمية الإدارية يناقشان وضع آلية تنفيذية لعودة ‏المفصولين ‏تعسفياً من قبل ا...