قبل الحديث عن الديوان ,أعرج قليلاً على القصيدة النثرية ,هذا النوع الحداثي من الشعر, والذي ما يزال في طور التكوين ,فالقصيدة النثرية ماتزال طفلة تحبو ،
وتلثغ بما شاء لها من أبجدية الجمال ،فما يزال يرفضها من أخذ برتم موسيقى البحور الخليليّة ،وبل ويرفض حتى مصطلح القصيدة النثريّة ,فيرى قول قصيدة نثرية كقول مربع دائري ، أو دائرة مربعة ، و لأنّها تجربة جديدة صرنا نجد اختلاف الشعراء في طريقة تناولها ،إذ يعتمد البعض الومضات المتراكبة ،ويجنح الآخرون إلى الخاطرة ،بل والقصة القصيرة أحياناً ,والسواد الأعظم يبتعد إلى السردية التعبيريّة ،حيث يتحوّل الشاعر إلى حكواتي يشرح ويفصّل بما تضيق به القصيدة النثريّة التي تأنف الشرح والإطالة في الجملة الشعريّة لأنّ قوامها التكثيف والجملة الرشيقة والخيال المجنّح ,والموسيقى الداخليّة, والانزياحات المدهشة والوحدة العضوية في بنائها ..
و الشاعرة فاطمة الحسن استطاعت أنّ توسع لنفسها مكاناً في دوحة الشعر ، وبمقارنة بسيطة بين ديوانها الجديد وتجربتها السابقة في دواوينها(تقاسيم وطن ،نسيم الروح ،ظلال حلم ) نجد الفارق الكبير من حيث تكثيف الجملة الشعرية واستقرارها وتمكّنها من توظيف الانزياحات وتكامل الوحدة العضوية في قصيدتها النثريّة .
عنونت الشاعرة ديوانها بـ (ذاكرة الحب ) هو عنوان مغرد يعزف على وتر الحنين
وينوس بين طرفي الزمن ،حيث صور الماضي المغمّسة بألق التوق ،والحب هذا المصدر العصي على عواصف الحياة ،والديوان في معظمه يكاد يكون بوحا لا يغادر ملعب العلاقة العشقيّة ، إذ يفصّل في علاقة حواء بآدمها, هذه العلاقة الملتبسة دائما ، فيبيّن أنّها قائمة على المد والجزر ، الحضور والغياب ،التجاذب والتنافر ، نعم لأنّها علاقة بين قطبي الحياة ،فقد جاء الديوان ليوثّق المشاعر الأنثويّة المضطرمة ، ولأنّ الشعر سفر في عالم الأخيلة والمجاز عبر خصوبة اللغة ،لذا فإننا نلحظ كيف برعت الشاعرة في توظيف الاستعارات والإنزياحات (ما عساها تقول امرأة في كامل مخملها ..في كامل سوسنها ) (يعلق حلمه من أخمص روحه)(وثقته العين بأم ّ سخطها ،سراط مستحب من المواويل )
ونلحظ ثقافة الشاعرة وتمكّنها من اللغة والتي تشكّل طين الإبداع وكيف تستخدم اشتقاقات متعددة تقول …(قبست من عينيك قمراً)( أشرنق الحرير ) (أحتاف منك الظمأ).
كما نلحظ استخدامها لصيغة التشارك بكثرة ( تهامسه )(يعاصف )(يلاعج )
وقد اعتمدت الشاعرة اللغة المأنوسة في انزياحات مدهشة فالشاعرة تغرف من نبع الخيال وترسم لوحات مدهشة تخلق عالما حسيّا عبر تقنيات اللغة وممكنات الخيال والعاطفة مما يترك عطرا في الذاكرة يدوم ويدوم .
محمد رستم